فصل: الطبقة السادسة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


الطبقة السادسة

1040 أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن جعفر بن أحمد بن هشام الأموي علم الدين القمني

الفاضل الذكي الذي كان يقال إنه إذا سمع قصيدة حفظها ويحكى عنه في هذا النوع عجائب

مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة

سمع الحديث من ابن الجميزي وكان معيدا بالمدرسة الظاهرية

توفي بالقاهرة سنة ست وثمانين وستمائة

1041 أحمد بن إبراهيم بن حيدرة القرشي القاهري الشيخ علم الدين

الفقيه الأديب والد شيخنا شمس الدين محمد بن أحمد بن القماح

سمع الحديث من ابن الجميزي والحافظ المنذري وغيرهما وكان يدرس بمدرسة ابن زين التجار بمصر

ومن شعره

رفقا بها فشوقها قد ساقها ** يا حبذا الوادي الذي قد شاقها

حجازها من حبها قد شاقها ** وفي هوى نجد حدت عراقها

توفي سنة خمس وتسعين وستمائة

1042 أحمد بن إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن سابور أبو العباس الواسطي الشيخ عز الدين الفاروثي

ولد بواسط في ذي القعدة سنة أربع عشرة وستمائة وقرأ القرآن على والده وعلى الحسين بن أبي الحسن بن ثابت الطيبي

وسمع ببغداد من عمر بن كرم الدينوري والشيخ شهاب الدين السهروردي وأبي الحسن القطيعي وأبي علي الحسن بن الزبيدي وأبي المنجا بن اللتي والأنجب بن أبي السعادات وأبي الحسن بن روزبة وخلق وبواسط من أبي العباس أحمد بن أبي الفتح بن المندآئي والمرجي بن شقير وبأصبهان من الحسين بن محمود الصالحاني وبدمشق من إسماعيل بن أبي اليسر وغيره

وحدث بالحرمين والعراق ودمشق وكان فقيها مقرئا عابدا زاهدا صاحب أوراد

قدم دمشق من الحجاز بعد مجاورة مدة سنة تسعين تولى مشيخة الحديث بالظاهرية وإعادة الناصرية وتدريس النجيبية ثم ولي خطابة الجامع ثم عزل منها فسافر إلى واسط وبها توفي

وقيل له لما قدمها كيف تركت الأرض المقدسة فقال رأيت النبي يقول تحول إلى واسط لتموت بها وتدفن عند والدك

توفي في مستهل ذي الحجة سنة أربع وتسعين وستمائة

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه قال حكى لنا صاحبنا ابن يونس الواسطي المقري أن الشيخ عز الدين أظهر أنه يريد سفرا وطلب الأصحاب وبقي يقول قد عرض لنا سفر فاجعلونا في حل فيتعجبون وقال لهم أريد السفر إلى شيراز يوم الثلاثاء وأظنني أموت ذلك اليوم فمات يومئذ

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أن علاء الدين الكندي ذكر له أن الشيخ عز الدين الفاروثي شاهد بالعراق رجلا مكث سنين لا يأكل ولا يشرب

قال شيخنا أبو عبد الله وقد حدثني عدد أثق بهم أن امرأة كانت بالأندلس بقيت نحوا من عشرين سنة لا تأكل شيئا وأمرها مشهور

ذكر شيخنا ذلك في ترجمة أبي العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني اللغوي وقد أورد ما ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور من أنه سمع أبا زكريا العنبري يقول سمعت أبا العباس فذكر قصة المرأة التي لا تأكل ولا تشرب

قلت وأنا مورد هذه القصة لغرابتها من تاريخ الحاكم وآت بها على الصورة التي ذكرها فأقول قال الحاكم سمعت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري يقول سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي يقول إن الله سبحانه وتعالى يظهر إذا شاء ما شاء من الآيات والعبر في بريته فيزيد الإسلام بها عزا وقوة ويؤيد ما أنزل من الهدى والبينات وينشر أعلام النبوة ويوضح دلائل الرسالة ويوثق عرى الإسلام ويثبت حقائق الإيمان منا منه على أوليائه وزيادة في البرهان بهم وحجة على من عند عن طاعته وألحد في دينه ‏{‏لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ‏}‏ فله الحمد لا إله إلا هو ذو الحجة البالغة والعز القاهر والطول الباهر وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة ورسول الهدى وعليه وعلى آله الطاهرين السلام ورحمة الله وبركاته

وإن مما أدركناه عيانا وشاهدناه في زماننا وأحطنا علما به فزادنا يقينا في ديننا وتصديقا لما جاء به نبينا محمد ودعا إليه من الحق فرغَب فيه من الجهاد من فضيلة الشهداء وبلغ عن الله عز وجل فيهم إذ يقول جل ثناؤه ‏{‏وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ‏}‏ أني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزاراسب وهي في غربي وادي جيحون ومنها إلى المدينة العظمى مسافة نصف يوم فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت في منامها شيئا فهي لا تأكل شيئا ولا تشرب شيئا منذ عهد أبي العباس بن طاهر والي خراسان وكان توفي قبل ذلك بثمان سنين رضي الله عنه ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثتني بحديثها فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا وهذه المدينة على مدرجة القوافل وكان الكثير ممن نزلها إذا بلغهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في أثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدن ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب فعرضت عليها مركبا فلم تركبه وأقبلت تمشي معي بقوة وحضر مجلسي قوم من التجار والدهاقين وفيهم فقيه يسمى محمد بن حمدويه الحارثي وقد كتب عنه موسى بن هارون البزار بمكة وكمل له عبادة ورواية للحديث وشاب حسن يسمى عبد الله بن عبد الرحمن وكان يخلف أصحاب المظالم بناحيته فسألتهم عنها فأحسنوا الثناء عليها وقالوا عنها خيرا وقالوا إن أمرها ظاهر عندنا فليس فيها من يختلف فيها

قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها وقد فرغت بالي لها وشغلت نفسي للاستقصاء عليها فلم أر إلا سترا وعفافا ولم أعثر منها على كذب في دعواها ولا حيلة في التلبيس وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يستخصونها ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها

فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها استقصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وأنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده يأتيه رزقه يوما ويوما لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأنها ولدت منه عدة أولاد وجاء الأقطع ملك الترك إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس وأهل خوارزم يدعونه كسرة

وقال أبو العباس والأقطع هذا فإنه كان كافرا عاتيا شديد العداوة للمسلمين قد أثر على أهل الثُغور والح على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات وكانت ولاة خراسان يتألفونه وأنسابه من عظماء الأعاجم ليكفوا غارتهم عن الرعية ويحقنوا دماء المسلمين فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب وأن هذا الكافر انساب في بعض السنين على السلطان ولا أدري لم ذاك أستبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من ملوك الجريجية والثغرغدية

فأقبل في جنوده وتورد الثغر واستعرض الطرق فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجزت عنه خيول خوارزم وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله فأنهض إليهم أربعة من القواد طاهر بن إبراهيم بن مدرك ويعقوب بن منصور بن طلحة وميكال مولى طاهر وهارون القباض وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى

ثم إن وادي جيحون وهو الذي في نهر بلخ جمد لما اشتد البرد وهو واد عظيم شديد الطغيان كثير الآفات وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شيء حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثيف الجمد عشرة أشبار وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل والقوافل فينطم ما بين الشاطئين وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر

قالت المرأة فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فضجوا بالمسلمين وخربوهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المطوعة فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستجروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا كر الترك عليهم وصار المسلمون في مثل الحرجة فتخلصوا واتخذوا دارة يحاربون من ورائها وانقطع ما بينهم وبين الخصم وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان

قالت المرأة ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر من أبياتها في عسكر فحث في الطلب هيبة للأمير أبي العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله وركض إلى هزاراسب في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعد الترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى

قالت المرأة وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجَت الناحية بالبكاء

قالت ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع علية ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال

قالت فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني

قالت فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة قلت أطلب زوجي فقال خذي ذات اليمين قالت فأخذت ذات اليمين فرفع لي أرض سهلة طيبة الري ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز قالت وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلته فلما استقر في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا فانتبهت من نومي شبعى ريا لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا يأكله الناس

قال أبو العباس وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام فسألتها هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء فقالت لا

فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس فقالت لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان

قلت والحيض و أظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم

قلت فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال قالت أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا قلت إني لعلي أحدثُ الناس عنك ولا بد أن استقصي قالت لا أحتاج

قلت فتنامين قالت نعم أطيب نوم

قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون

قلت فتجدين لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام

وكانت تقبل الصدقة فقلت لها ما تصنعين بها قالت أكتسي وأكسو ولدي

قلت فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر قالت نعم

قلت فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت نعم ألست من البشر

قلت فتتوضئين للصلاة قالت نعم قلت لم قالت أمرني بذلك الفقهاء فقلت إنهم أفتوها على حديث لا وضوء إلا من حدث أو نوم

وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت

ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث فتحضرني فأعيد مسألتها فلا تزيد ولا تنقص وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه فقال أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط

1043 أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد الخطيب شرف الدين أبو العباس النابلسي المقدسي خطيب دمشق

قال شيخنا الذهبي كان إماما فقيها محققا متقنا للمذهب والأصول والعربية حاد الذهن سريع الفهم بديع الكتابة

قال وناب في الحكم عن ابن الخويي وأجاز له الفتح بن عبد السلام وأبو علي الجواليقي وأبو حفص السهروردي

وسمع من ابن الصلاح والسخاوي وغيرهما

وصنف كتابا في أصول الفقه جمع فيه بين طريقتي الإمام فخر الدين والآمدي وتفقه على ابن عبد السلام بالقاهرة

توفي في شهر رمضان سنة أربع وتسعين وستمائة

1044 أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى البرمكي قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس الخويي

ولد في شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

ودخل إلى خراسان وقرأ بها الكلام والأصول على الإمام فخر الدين الرازي فيما قاله بعضهم وقيل إنما قرأ على القطب المصري تلميذ الإمام وقرأ الفقه على الرافعي وعلم الجدل على علاء الدين الطاووسي وسمع هناك من المؤيد الطوسي

وسمع بدمشق من ابن الزبيدي وابن الصلاح وغيرهما

سمع منه تاج الدين بن أبي جعفر وأبو عمرو بن الحاجب والجمال محمد بن الصابوني وولده قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن قاضي القضاة شمس الدين وغيرهم

وكان فقيها أصوليا متكلما مناظرا دينا ورعا ذا همة عالية حفظ القرآن على كبر

وكان وهو قاضي القضاة يجيء إلى الجامع بدمشق وربما كان بالطيلسان يتلقن على من يقرئه القرآن كما يتلقن الأطفال

ولي قضاء القضاة بالشام فحدث بسيبويه

وفيه يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة وقد وقف على مصنف له في العروض

أحمد بن الخليل أرشده الله ** لما أرشد الخليل بن أحمد

ذاك مستخرج العروض وهذا ** مظهر السر منه والعود أحمد

وللقاضي شمس الدين مصنفات كثيرة ونظم كثير

توفي في سابع شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة بدمشق ودفن بسفح قاسيون

1045 أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان ابن عبد الله بن علوان بن رافع الحلبي الأسدي

الشيخ كمال الدين بن القاضي زين الدين بن المحدث أبي محمد بن الأستاذ شارح الوسيط

كان فقيها حافظا للمذهب ولد سنة إحدى عشرة وستمائة

سمع جده وثابت بن مشرف وابن روزبة وسمع حضورا من الافتخار الهاشمي ومن غيرهم

روى عنه الحافظ أبو محمد الدمياطي قال شيخنا الذهبي وكاني يدعو له لما أولاه من الإحسان

ولي القضاء بحلب بعد عمه وكان وافر الحرمة عند الناصر صاحب الشام فلما أخذت حلب توجه بنفسه إلى مصر بعد ما أخذ ماله وأصيب في أهله ودرس هناك بمنازل العز والكهارية ثم تولى قضاء حلب فسار إليها وأقام بها أشهرا وتوفي في نصف شوال سنة اثنتين وستين وستمائة عن نيف وخمسين سنة

وله حواش على فتاوى ابن الصلاح هي عندي بخطه على نسخة على فتاوي ابن الصلاح فيها فوائد وكلامه يدله على فضل كبير واستحضار للمذهب جيد

1046 أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الحافظ أبو العباس محب الدين الطبري ثم المكي

شيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة

مولده سنة خمس عشرة وستمائة في جمادى الآخرة

سمع ابن المقير وابن الجميزي وغيرهما

روى عنه البرزالي وغيره

وتفقه بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري والد شيخ الإسلام تقي الدين

وصنف التصانيف الجيدة منها في الحديث الأحكام الكتاب المشهور المبسوط دل على فضل كبير وله مختصر في الحديث أيضا رتبه على أبواب التنبيه وله كتاب في فضل مكة حافل وله شرح على التنبيه مبسوط فيه علم كثير

استدعاه المظفر صاحب اليمن ليسمع عليه الحديث فتوجه إليه من مكة وأقام عنده مدة وفي تلك المدة نظم قصيدة يتشوَق إلى مكة منها

مريضك من صدودك لا يعاد ** به ألم لغيرك لا يعاد

وقد ألف التداوي بالتداني ** فهل أيام وصلكم تعاد

لحا الله العواذل كم يلحوا ** وكم عذلوا فما أصغى وعادوا

ولو لمحوا من الأحباب معنى ** لما أبدوا هناك ولا أعادوا

ومنها

أريد وصالها وتريد بعدي ** فما أشقى مريدا لا يراد

وهي طويلة خمسها بعض الأدباء لاستحسانه لها

فوائد ومسائل عن الحافظ الطبري

ذكر في شرح التنبيه أنه يجوز قطع ما يتغذى به من نبات الحرم غير الإذخر كالبقلة المسماة عند أهل مصر بالرجلة ونحوه لأنه في معنى الزرع

1047 أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي الشيخ جلال الدين الدشناوي

كان إماما عالما فقيها أصوليا زاهدا ورعا

ولد سنة خمس عشرة وستمائة بدشنا من صعيد مصر وسمع الحديث من الفقيه بهاء الدين ابن الجميزي والحافظ عبد العظيم المنذري والشيخ مجد الدين القشيري والشيخ عز الدين بن عبد السلام

تفقه وتأصل وقرأ الأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني شارح المحصول حين كان حاكما بقوص وقرأ النحو على الشيخ شرف الدين المرسي

وحدث سمع منه شيخنا شمس الدين بن القماح وغيره وانتهت إليه رياسة المذهب بمدينة قوص وتفقه عليه خلائق

وحكي أن النصير بن الطباخ المشهور بالفقيه قال للشيخ عز الدين بن عبد السلام ما أظن في الصعيد مثل هذين الشابين يعني الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد والشيخ جلال الدين الدشناوي فقال له ابن عبد السلام ولا في المدينتين وصنف الشيخ جلال الدين شرحا على التنبيه وصل فيه إلى الصيام ومناسك ومقدمة في النحو

وله شعر متوسط منه هذا

يا لائمي كف عن ملامي ** عن انعزالي عن الأنام

إن نذيري الذي نهاني ** يخبر حالي على التمام

رأى مشيبي ووهن عظمي ** قد أدنياني من الحمام

وكان يقال إنه من الأبدال لشدة ورعه وتقواه

توفي يوم الاثنين مستهل شهر رمضان سنة سبع وسبعين وستمائة بقوص

ومن الفوائد عنه

سئل عن عبد بيت المال إذا أراد أن يعتق ولا ولاء عليه فقال يشتري نفسه من وكيل بيت المال ففعل ذلك ثم رفعت القضية إلى قاضي قوص فلم يمض البيع وقال نص الفقهاء على أن ابتياع العبد نفسه عقد عتاقة وليس لوكيل بيت المال أن يعتق أرقاء بيت المال

قلت وما ذكره الشيخ جلال الدين من جواز هذا العتق صحيح فإن هذا العتق واقع بعوض فلا يمنع على الوكيل فعله بل هو أولى من البيع لتشوف الشارع إلى العتق وحصوله بعوض لا يفوت على المسلمين شيئا وأما العتق على المسلمين مجانا فليس لوكيل بيت المال فعله لا لكون عبد بيت المال لا يعتق فإن للإمام عتق بيت المال كما له تمليك من شاء بالمصلحة وقد نص الشافعي في باب الهدنة على أن للإمام العتق ولكن لأن مجرد التوكيل لا يسوغ العتق فإن وكله الإمام في العتق كان له ذلك بالمصلحة كما هو للإمام

وأما قول الشيخ جلال الدين إنه إذا اشترى نفسه من وكيل بيت المال فلا يثبت عليه ولاء ففيه نظر بل صرح الرافعي في باب الهدنة أن الولاء للمسلمين ويؤيده أن الأصح ثبوت الولاء على العبد ويشتري نفسه من مولاه والظاهر أن الخلاف يجري في عبد بيت المال حتى يكون الولاء للمسلمين

1048 أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن أبي طالب الشعيري

1049 أحمد بن عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بدر العلامي البصري علاء الدين ابن بنت الأعز

كان فقيها أديبا رئيسا درس في القاهرة بالقطبية والكهارية وبدمشق بالظاهرية والقيمرية وله شعر كثير منه

1050 أحمد بن عيسى بن رضوان بن القليوبي

شارح التنبيه لقبه كمال الدين وكنيته أبو العباس وكان يكتب بخطه ابن العسقلاني وهو ولد الشيخ ضياء الدين

كان كمال الدين هذا فقيها صالحا سليم الباطن حسن الاعتقاد كثير المصنفات أخذ عن والده وغيره وروى عن ابن الجميزي

وعندي بخطه من مصنفاته نهج الوصول في علم الأصول مختصر صنفه في أصول الفقه والمقدمة الأحمدية في أصول العربية وكتاب طب القلب ووصل الصب تصوف وكتاب الجواهر السحابية في النكت المرجانية جمع فيه كلمات سمعها من أخيه في الله على ما ذكر الشيخ الجليل المقدار أبي عبد الله بن محمد بن المرجاني وكان اجتمع به بعد قفول ابن المرجاني من حجه سنة أربع وثمانين وستمائة وكتب عنه هذه الفوائد وكتاب العلم الظاهر في مناقب الفقيه أبي الطاهر جمع فيه مناقب شيخ والده أبي الطاهر خطيب مصر وكتبت من هذا الكتاب فوائد تتعلق بتراجم جماعة نقلتها عنه في هذا الكتاب وكتاب الحجة الرابضة لفرق الرافضة وكل هذه مختصرات عندي بخطه

وولي قضاء المحلة مدة زمانية اجتمع بالحافظ زكي الدين المنذري وحدث عنه بفوائد

وقال شيخنا الذهبي إنه توفي سنة تسع وثمانين وستمائة

قلت وليس كذلك بل قد تأخَر عن هذا الوقت فقد رأيت طباق السماع عليه في العلم الظاهر مؤرخة بسنة إحدى وتسعين وستمائة بعضها في جمادى الأولى وبعضها في رجب وعليها خطه بالتصحيح وكان حاكما بمدينة المحلة إذ ذاك

ولابن القليوبي شرح على التنبيه مبسوط وفيه يقول فيما رأيته منقولا عنه إنه استنبط من قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ‏}‏ أن ما يفعله علماء هذا الزمان في ملابسهم من سعة الأكمام وكبر العمة ولبس الطيالس حسن وإن لم يفعله السلف لأنه فيه تمييز لهم يعرفون به ويلتفت إلى فتاويهم وأقوالهم

1051 أحمد بن عمر بن محمد الشيخ الإمام الزاهد الكبير نجم الدين الكبرى

أبو الجناب -بفتح الجيم ثم نون مشددة- الخيوقي الصوفي شيخ خوارزم

والكبرى على صيغة فعلى كعظمى ومنهم من يمد فيقول الكبراء جمع كبير

كان إماما زاهدا عالما طاف البلاد وسمع بها الحديث سمع بالإسكندرية أبا طاهر السلفي وبهمذان الحافظ أبا العلاء وبنيسابور أبا المعالي الفراوي

روى عنه عبد العزيز بن هلالة وناصر بن منصور الفرضي والشيخ سيف الدين الباخرزي وآخرون

قال ابن نقطة هو شافعي المذهب إما في السنة

وقال ابن هلالة جلست عنده في الخلوة مرارا فوجدت من بركته شيئا عظيما

وقال أبو عمرو بن الحاجب طاف البلاد وسمع بها الحديث واستوطن خوارزم وصار شيخ تلك الناحية وكان صاحب حديث وسنة وملجأً للغرباء عظيم الجاه لا يخاف في الله لومة لائم

وقال غيره إنه فسر القرآن العظيم في اثنتي عشرة مجلدة واجتمع به الإمام فخر الدين الرازي

1052 أحمد بن فرح بالفاء والحاء المهملة ابن أحمد الإشبيلي المحدث أبو العباس اللخمي

نزيل دمشق ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وأسره العدو ونجاه الله تعالى

وأخذ عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام والكمال الضرير وغيرهما بالقاهرة ثم بدمشق عن ابن عبد الدائم وعمر الكرماني وابن أبي اليسر وخلق

قال شيخنا الذهبي وأقبل على تجويد المتون وفهمها فتقدم في ذلك وكانت له حلقة إقراء في جامع دمشق يقرأ فيها فنون الحديث حضرت مجالسه وأخذت عنه ونعم الشيخ كان سكينة ووقارا وديانة واستحضارا مات بتربة أم الصالح في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن فرح وعدة قالوا أخبرنا ابن عبد الدائم

ح وأخبرنا عن ابن عبد الدائم إجازة إن لم يكن سماعا أخبرنا يحيى بن محمود أخبرنا أبو علي الحداد حضورا أخبرنا أبو نعيم أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن الفرات حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله تجد من شرار الناس ذا الوجهين قال الأعمش الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه +حديث صحيح+ +أخرجه الترمذي+

أنشدنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد النابلسي بقراءتي عليه قلت له أنشدكم الشيخ الإمام الحافظ الزاهد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح لنفسه

غرامي صحيح والرجا فيك معضل ** وحزني ودمعي مرسل ومسلسل

وصبري عنكم يشهد العقل أنه ** ضعيف ومتروك وذلي أجمل

ولا حسن إلا سماع حديثكم ** مشافهة يملى علي فأنق

وأمري موقوف عليك وليس لي ** على أحد إلا عليك المعول

ولو كان مرفوعا إليك لكنت لي ** على رغم عذالي ترق وتعدل

وعذل عذولي منكر لا أسيغه ** وزور وتدليس يرد ويهمل

أقضي زماني فيك متصل الأسى ** ومنقطعا عما به أتوصل

وها أنا في أكفان هجرك مدرج ** تكلفني ما لا أطيق فأحمل

وأجريت دمعي بالدماء مدبجا ** وما هي إلا مهجتي تتحلل

فمتفق جفني وسهدي وعبرتي ** ومفترق صبري وقلبي المبلبل

ومؤتلف شجوي ووجدي ولوعتي ** ومختلف حظي وما فيك آمل

خذ الوجد عني مسندا ومعنعنا ** فغيري بموضوع الهوى يتجمل

وذي نبذ من مبهم الحب فاعتبر ** وغامضه إن رمت شرحا أطول

غريب يقاسي البعد عنك وما له ** وحقك عن دار القلى متحول

عزيز بكم صب ذليل لعزكم ** ومشهور أوصاف المحب التذلل

فرفقا بمقطوع الوسائل ما له ** إليك سبيل لا ولا عنك معدل

ولا زلت في عز منيع ورفعة ** ولا زلت تعلو بالتجني وأنزل

أوري بسعدى والرباب وزينب ** وأنت الذي تعنى وأنت المؤمل

فخذ أولا من آخر ثم أولا ** من النصف منه فهو فيه مكمل

أبر إذا أقسمت أني بحبه ** أهيم وقلبي بالصبابة مشعل

وهذه القصيدة بليغة جامعة لغالب أنواع الحديث

1053 أحمد بن المبارك بن نوفل الإمام تقي الدين أبو العباس النصيبيني الخرفي

وخرفة بخاء معجمة ثم راء ساكنة ثم فاء مفتوحة من قرى نصيبين

كان إماما عالما فقيها نحويا مقرئا يشغل الناس بالموصل وسنجار ودرس بهما مذهب الشافعي

وله مصنفات كثيرة منها شرح الدريدية وشرح الملحة وكتاب خطب وكتاب في العروض

انتقل بالآخرة إلى الجزيرة فتوفي بها في رجب سنة أربع وستين وستمائة

1054 أحمد بن كشاسب

بفتح الكاف وشين معجمة مفتوحة ثم ألف ساكنة ثم سين مهملة ثم باء موحدة ابن علي الدزماري بكسر الدال المهملة بعدها زاي ساكنة ثم ميم ثم ألف ثم راء مكسورة ثم ياء النسب الشيخ كمال الدين الفقيه الصوفي أبو العباس

له شرح التنبيه وكتاب في الفروق

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة وهو أحد من قرأت عليه في صباي قال وهو الذي ذكره شيخنا أبو الحسن -يعني السخاوي- في خطبة التفسير وأثنى عليه كان يلازم حلقة الشيخ لسماع التفسير وفي وقت ختمات الطلبة

توفي في سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة

وحكى في شرح التنبيه وجهين في ضبط الصغير والكبير في ضبة الذهب والفضة أن الكبير قدر نصاب السرقة والصغير دونه وهو غريب

1055 أحمد بن محسن

بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة ابن ملي باللام أيضا الشيخ نجم الدين المعروف بابن ملي

المشهور بحسن المناظرة والقادر على إبداء الحجة المسرعة وإلجام الخصوم والذهن المتوقد كشعلة نار والوثوب على النظراء في مجالس النظر كأنه صاحب ثار

سمع من البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي والحسين بن الزبيدي وأبي المنجا بن اللتي وغيرهم

وحدث بدمشق وحلب وقرأ بدمشق النحو على ابن الحاجب وتفقه على شيخ الإسلام ابن عبد السلام وأحكم الأصول والكلام والفلسفة

وأفتى وناظر وشغل مدة ودخل مصر غير مرة وناظر وشهد له أهلها بالفضل وكان يقول في الدرس عينوا آية لنتكلم عليها فإذا عينوها تكلم بعبارة فصيحة وعلم غزير كأنما يقرأ من كتاب وكان قوي الحافظة تقرأ عليه الأوراق مرة واحدة فيعيدها بأكثر لفظها وإذا حضر عند أحد درسا سكت إلى أن يفرغ ذلك المدرس ويقول ما عنده مما بيته فيبتدىء ابن ملي ويقول ذكر مولانا كيت وكيت ويذكر جميع ما ذكره ثم يأخذ في الاعتراض والبحث

وقد دخل بغداد وأعاد بالنظامية

ولد ببعلبك في رمضان سنة سبع عشرة وستمائة وتوفي في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة

أخبرنا المسند عز الدين أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر بن المسلم الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الإمام العلامة الأصولي ذو الفنون نجم الدين أو العباس أحمد بن محسن بن ملي الشافعي البعلبكي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي أخبرنا أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق ابن أحمد بن يوسف قراءة عليه أخبرنا أبو سعد بن عبد الملك بن عبد القاهر الأسدي أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران حدثنا أبو محمد دعلج حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال خطب مروان فقدم الخطبة قبل الصلاة -يعني يوم العيد- فقام رجل فقال خالفت السنة فقام أبو سعيد فقال أما هذا المتكلم فقد قضى ما عليه قال رسول الله من رأى منكم منكرا فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان

1056 أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي قاضي القضاة شمس الدين ابن شهاب الدين

تفقه على والده بمدينة إربل ثم انتقل بعد موت أبيه إلى الموصل وحضر دروس الإمام كمال الدين بن يونس ثم انتقل إلى حلب وأقام عند الشيخ بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن شداد وتفقه عليه وقرأ النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي ثم قدم دمشق واشتغل على ابن الصلاح ثم انتقل إلى القاهرة وناب في الحكم عن قاضي القضاة بدر الدين السنجاري ثم ولي قضاء المحلة ثم ولي قضاء القضاة بالشام ثم عزل ثم وليها ثانيا ثم عزل

ومن مصنفاته كتاب وفيات الأعيان وهو كتاب جليل

توفي بدمشق في سنة إحدى وثمانين وستمائة في شهر رجب

وله في الأدب اليد الطولى وشعره أرق من أعطاف ذي الشمائل لعبت به الشمول وأعذب في الثُغور لعسا من ارتشاف الضرب وإنه لفوق ما نقول فمنه

يا من كلفت به فعذب مهجتي ** رفقا على كلف الفؤاد معذَب

إن فاته منك اللقاء فإنه ** يرضى بلقيا طيفك المتأوب

قسما بوجدي في الهوى وبحرقتي ** وبحيرتي وتلهفي وتلهبي

لو قلت لي جدلى بروحك لم أقف ** فبما أمرت وإن شككت فجرب

مولاي هل من عطفة تصغي إلى ** قصصي وطول شكايتي وتعتبي

قد كنت تلقاني بوجه باسم ** واليوم تلقاني بوجه مقطب

ما كان لي ذنب إليك سوى الهوى ** فعلام تهجرني إذا لم أذنب

قل لي بأي وسيلة أدلي بها ** إن كنت تبعدني لأجل تقربي

وحياة وجهك وهو بدر طالع ** وجمال طرتك التي كالغيهب

وفتور مقلتك التي قد أذعنت ** لكمال بهجتها عيوب المعتب

وبيان مبسمك النقي الواضح العذب ** الشهي اللؤلئي الأشنب

وبقامة لك كالقضيب ركبت من ** أخطارها في الحب أصعب مركب

لو لم أكن في رتبة أرعى لها العهد ** القديم صيانة للمنصب

لهتكت ستري في هواك ولذ لي ** خلع العذار ولج فيك مؤنبي

قد خانني صبري وضاقت حيلتي ** وتقسمت فكري وعقلي قد سبي

ولقد سمحت بمهجتي وحشاشتي ** وبحالتي ووجاهتي وبمنصبي

حتى خشيت بأن يقول عواذلي ** قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي

1057 أحمد بن محمد بن عباس بن جعوان الفقيه شهاب الدين الدمشقي

كان ورعا أخذ عن النووي وروى عن ابن عبد الدائم

توفي في شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة بدمشق

1058 أحمد بن محمد الشيخ الصالح أبو العباس الملثم

كان من أصحاب الكرامات والأحوال والمقامات العاليات ويحكى عنه عجائب وغرائب

وكان مقيما بمدينة قوص له بها رباط وعرف بالملثَم لأنه كان دائما بلثام

وكان من المشايخ المعمرين بالغ فيه قوم حتى قالوا إنه من قوم يونس عليه السلام وقال آخرون إنه صلى خلف الشافعي رضي الله عنه وإنه رأى القاهرة أخصاصا قبل بنائها

ومن أخص الناس بصحبته تلميذه الشيخ الصالح عبد الغفار بن نوح صاحب كتاب الوحيد في علم التوحيد وقد حكى في كتابه هذا كثيرا من كراماته وذكر أنه كان عادته إذا أراد أن يسأل أبا العباس شيئا أو اشتاق إليه حضر وإن كان غائبا ساعة مرور ذلك على خاطره

قال وسألني يوما بعض الصالحين أن أسأله عما يقال إنه من قوم يونس ومن أنه رأى الشافعي قال فجاءني غلام عمي وقال لي الشيخ أبو العباس في البيت وقد طلبك وكنت غسلت ثوبي ولا ثوب لي غيره فقمت واشتملت بشيء ورحت إليه فوجدته متوجها فسلمت وجلست وسألته عما جرى بمكة وكنت أعتقد أنه يحج في كل سنة فإنه كان زمان الحج يغيب أياما يسيرة ويخبر بأخبارها فلما سألته أخبرني بما جرى بمكة ثم تفكرت ما سأله ذلك الرجل الصالح فحين خطر لي التفت إلي وقال لي يا فتى ما أنا من قوم يونس أنا شريف حسيني وأما الشافعي فمتى مات ما له من حين مات كثير نعم أنا صليت خلفه وكان جامع مصر سوقا للدواب وكانت القاهرة اخصاصا

فأردت أن أحقق عليه فقلت صليت خلف الإمام الشافعي محمد بن إدريس فتبسم وقال في النوم يا فتى في النوم يا فتى وهو يضحك

وكان يوم الجمعة فاشتغلنا بالحديث وكان حديثه يلذ بالمسامع فبينما نحن في الحديث والغلام يتوضأ فقال له الشيخ إلى أين يا مبارك فقال إلى الجامع فقال وحياتي صليت فخرج الغلام وجاء فوجد الناس خرجوا من الجامع

قال عبد الغافر فخرجت فسألت الناس فقالوا كان الشيخ أبو العباس في الجامع والناس تسلم عليه

قال عبد الغافر وفاتتني صلاة الجمعة ذلك اليوم

قال ولعل قوله صليت من صفات البدلية فإنهم يكونون في مكان وشبههم في مكان آخر وقد تكون تلك الصفة الكشف الصوري الذي ترتفع فيه الجدران ويبقى الاستطراق فيصلي كيف كان ولا يحجبه الاستطراق

قال عبد الغافر وكنت عزمت على الحجاز وحصل عندي قلق زائد فأنا أمشي في الليل في زقاق مظلم وإذا يد على صدري فزاد ما عندي من القلق فنظرت فوجدته الشيخ أبا العباس فقال يا مبارك القافلة التي أردت الرواح فيها تؤخذ والمركب الذي يسافر فيه الحجاج يغرق فكان الأمر كذلك

قال وكان الشيخ أبو العباس لا يخلو عن عبادة يتلو القرآن نهارا ويصلي ليلا قال وكان أبوه ملكا بالمشرق

قال وقلت له يوما يا سيدي أنت تقول فلان يموت اليوم الفلاني وهذه المراكب تغرق وأمثال ذلك والأنبياء عليهم السلام لا يقولون ولا يظهرون إلا ما أمروا به مع كمالهم وقوتهم ونور الأولياء إنما هو رشح من نور النبوة فلم تقول أنت هذه الأقوال

فاستلقى على ظهره وجعل يضحك ويقول وحياتي وحياتك يا فتى ما هو باختياري

توفي الشيخ أبو العباس يوم الثلاثاء رابع عشرين من شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وستمائة وهو مدفون برباطه بمدينة قوص مقصود للبركة

1059 أحمد بن محمود بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي الهيجاء ابن حمدان أبو العباس

من أهل واسط

درس الفقه على عمه أبي علي الحسن بن أحمد وعلى يحيى بن الربيع وأبي القاسم ابن فضلان وقرأ الأصول على المجير البغدادي والقراءات بالروايات على أبي بكر الباقلاني وسمع من أبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج بن كليب وطائفة

وولي القضاء بالجانب الغربي ببغداد

قال ابن النجار وكان فقيها فاضلا عالما عاملا حافظا لمذهب الشافعي سديد الفتاوى حسن الكلام في مسائل الخلاف له يد حسنة في الأصول والجدل ويقرأ القرآن قراءة حسنة ويفهم طرفا صالحا من الحديث والأدب وكتب بخطه كثيرا من كتب الفقه والحديث وغير ذلك ووصف بالخير كثيرا إلى أن قال ما رأيت أجمل طريقة منه ولا أحسن سيرة منه

مولده في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة بواسط ومات ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة

1060 أحمد بن موسى بن يونس بن محمد بن منعة الإربلي الموصلي

الشيخ شرف الدين ابن الشيخ كمال الدين بن يونس شارح التنبيه

ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتفقه على والده وبرع في المذهب

واختصر كتاب الإحياء للغزالي مرتين وكان يلقي الإحياء دروسا من حفظه وكان كثير المحفوظ غزير المادة متفننا في العلوم وتخرج به خلق كثير

توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة

ووقع في شرح التنبيه لابن يونس حكاية وجه أنه إذا خلط الطعام الموصى به بأجود منه لا يكون رجوعا وقد قال الرافعي لم يذكروا خلافا في أنه رجوع وفيه وجه أنه إذا وجب عليه في زكاة الفطر نوع فلا يجوز له العدول إلى أعلى منه وهكذا حكاه الماوردي في الحاوي والشاشي في الحلية وهو يرد على دعوى الرافعي الاتفاق على الجواز

وفيه وجه أنه يشترط قبول الموصى له بعد الموت على الفور والذي جزم به الرافعي خلافه قال وإنما يشترط ذلك في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط القبول بالإيجاب وفي وجه عن الشاشي فيما إذا مات الموصى له بعد موت الموصي أنه لا يقوم وارثه مقامه في القبول والرد بل تبطل الوصية قال وليس هو بشيء وهذا أيضا ليس في الرافعي

وحكى وجهين في أنه هل يجب على الولي أن يعلم الصبي الطهارة والصلاة أو يستحب وكذلك حكاهما الدارمي في الاستذكار وغيره والمشهور عند الأئمة الوجوب

وحكى وجها عن الخراسانيين أنه لا تجب الكفارة على السيد في قتل عبده وهو غريب

وفي ابن يونس غرائب كثيرة ليست في الرافعي إلا أن ابن الرفعة جد واجتهد في ايداعها الكفاية فلم أر للتطويل بها مع وجدانها في الكفاية كبير معنى

1061 أحمد بن عيسى بن عجيل اليمني

الإمام العالم العامل الولي الزاهد العارف صاحب الأحوال والكرامات

ومما يؤثر من كراماته أن بعض الناس جاء إليه وفي يده سلعة فقال له ادع الله أن يزيل عني هذه السلعة وإلا ما بقيت أحسن ظني بأحد من الصالحين

فقال له لا حول ولا قوة إلا بالله ومسح على يده وربط عليها بخرقة وقال له لا تفتحها حتى تصل إلى منزلك

فخرج من عنده فلما كان في بعض الطريق أراد أن يتغدى ففتح يده ليأكل وكانت في كفه اليمنى فلم ير لها أثرا وذهبت عنه بالكلية وكأن الشيخ أراد ستر الكرامة بالخرقة لئلا تظهر في الحال

ومن المشهور أن بعض فقهاء اليمن الصالحين من قرابة ابن العجيل هذا سمعه في قبره يقرأ سورة النور

1062 أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن

قاضي القضاة صدر الدين بن قاضي القضاة شمس الدين بن سني الدولة

1063 أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع الشيباني الشيخ موفق الدين أبو العباس الموصلي

المفسر الرجل الصالح الزاهد الورع ذو الأحوال والكرامات المعروف بالكواشي

ولد بكواشة وهي قلعة من أعمال الموصل سنة تسعين أو إحدى وتسعين وخمسمائة

وقرأ القرآن على والده وسمع الحديث من أبي الحسن السخاوي وغيره ثم رجع إلى بلده ولازم الإقراء والعبادة والتصنيف صنف التفسير الكبير والتفسير الصغير

وكان السلطان ومن دونه يزورونه ولا يعبأ بهم وكان لا يقبل من أحد شيئا وكان يقال إنه يعرف الاسم الأعظم ولازم جامع الموصل نيفا وأربعين سنة

وقيل إنه كان ينفق من الغيب قال شيخنا الذهبي ولا أعتقد صحة ذلك ويحكى عنه من الكرامات ما يطول شرحه

1064 محمد بن أحمد بن أبي سعد بن الإمام أبي الخطاب

رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجده وجد جده

كان عالم تلك البلاد وإمامها ومحققها وزاهدها وعابدها

وقال فيه صاحبنا وشيخنا الشيخ الحافظ عفيف الدين المطري هو مجتهد زمانه وعلامة أقرانه لم تر العيون مثله وما رأى مثل نفسه انتهى

قلت وهو مصنف كتاب الملخص وكتاب المصباح كلاهما في الفقه والمصباح أكبرهما حجما

مات سنة أربع وستمائة

1065 محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد

ابن الميمون القيسي التوزري الشيخ قطب الدين بن القسطلاني

الفقيه المحدث الأديب الصوفي العابد

ولد في ذي الحجة سنة أربع عشرة وستمائة

وسمع من والده ومن الشيخ شهاب الدين السهروردي ولبس منه خرقة التصوف وسمع الكثير بمصر ودمشق من أصحاب السلفي وأصحاب ابن عساكر وببغداد من جماعة ولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وحدث كثيرا وأفاد

ومن شعره

إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ** ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد

وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ** ليظهر صنع الله في العكس والطرد

توفي في المحرم سنة ست وثمانين وستمائة

1066 محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان

والد القاضي شمس الدين

1067 محمد بن إبراهيم بن أبي الفضل السهلي معين الدين الجاجرمي

صاحب الكفاية في الفقه نحو التنبيه أو دونه وله طريقة في الخلاف وشرح أحاديث المهذب وإيضاح الوجيز

حدث عن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي

ومن المسائل عنه

حكى وجهين في جواز استئجار الرياحين للشم

1068 محمد بن إبراهيم الخطيب أبو عبد الله الغساني الحموي ويعرف بابن الجاموس

تفقه بحماة ثم توجه إلى القاهرة وولي خطابة الجامع العتيق بمصر والتدريس بمشهد الحسين

توفي في ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة

1069 محمد بن إسحاق الشيخ الزاهد صدر الدين القونوي

صاحب التصانيف في التصوف

توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة

1070 محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني

فقيه الحرم الشريف أقام بمكة مدة يدرس ويفتي إلى أن توفي سنة تسع وستمائة

1071 محمد بن الحسين بن رزين بن موسى بن عيسى

ابن موسى العامري الحموي قاضي القضاة بالديار المصرية تقي الدين أبو عبد الله

ولد سنة ثلاث وستمائة بحماة وحفظ من التنبيه في صغره جانبا صالحا ثم انتقل إلى الوسيط فحفظه كله وحفظ المفصل كله والمستصفى للغزالي كله وكتابي أبي عمرو بن الحاجب في الأصول والنحو وسافر إلى حلب فقرأ المفصل على موفق الدين ابن يعيش ثم قدم دمشق فلازم الشيخ تقي الدين ابن الصلاح وأخذ عنه وقرأ بالقراءات على السخاوي وسمع منهما ومن كريمة

حدثنا عنه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وحدث عنه آخرون

وولي بدمشق إمامة دار الحديث الأشرفية ثم تدريس الشامية البرانية ثم وكالة بيت المال بدمشق

ثم انتقل إلى القاهرة وأعاد بقبة الشافعي رضي الله عنه ثم درس بالظاهرية ثم ولي قضاء القضاة وتدريس الشافعي وامتنع أن يأخذ على القضاء معلوما

وكان فقيها فاضلا حميد السيرة كثير العبادة حسن التحقيق مشاركا في علوم غير الفقه كثيرة مشارا إليه بالفتوى من النواحي البعيدة

توفي في ثالث رجب سنة ثمانين وستمائة

فوائد عن قاضي القضاة ابن رزين

كان يذهب إلى الوجه الذي حكاه صاحب التتمة أن الرشد صلاح المال فقط ويرتفع الحجر عمن بلغ رشيدا في ماله وإن بلغ سفيها في دينه

قال ابن الرفعة سمعت قاضي القضاة تقي الدين في مجلس حكمه بمصر يصرح باختياره ويحكم بموجبه ويستدل له بإجماع المسلمين على جواز معاملة من تلقاه الغريب من أهل البلاد مع أن العلم محيط بأن الغالب على الناس عدم الرشد في الدين والرشد في المال ولو كان ذلك مانعا من نفوذ التصرفات لم تجر الأقلام عليه

قلت كان قاضي القضاة بالديار المصرية إذا جمعوا بين قضاء القاهرة ومصر كما استقرت عليه القاعدة من الأيام الظاهرية يتوجهون يوم الاثنين ويوم الخميس إلى مصر فيجلسون بجامع عمرو بن العاص لفصل القضاء بين الناس ويحضر عندهم علماء مصر وكان ابن الرفعة يحضر عند قاضي القضاة تقي الدين مجلس حكمه إذا ورد عليهم مصر يوم الاثنين والخميس وابن الرفعة كان ساكنا بمصر وقاضي القضاة تقي الدين بالقاهرة

1072 محمد بن الحسين بن عبد الرحمن الأنصاري

الشيخ الفقيه الصالح الورع الزاهد أبو الطاهر المحلي خطيب جامع مصر العتيق وهو جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه

قدم من المحلة إلى مصر وتفقه بها على الشيخ تاج الدين محمد بن هبة الله الحموي واختص بصحبته وعلى أبي إسحاق العراقي شارح المهذب وعلى ابن زين التجار هؤلاء الثلاثة أشياخه في الفقه

وسمع الحديث من إبراهيم بن عمر الإسعردي وغيره

وصحب الشيخ الجليل السيد الكبير أبا عبد الله القرشي واختص به وبرع في العلم ولزم طريقة السلف في التقشف والورع وكان يلقي على الطلبة كل يوم عدة دروس من الفقه والأصول ولا يقبل لأحد شيئا

وكان أول أمره شرابيا يعمل الشراب ثم انتهت به الحال إلى أن صار شيخ الديار المصرية علما وعملا وسئل في ولاية القضاء فامتنع أشد الامتناع

مولده سنة أربع وخمسين وخمسمائة بجوجر

وقد نقل عنه ابن الرفعة في المطلب في باب الوكالة في الكلام على أن الوكيل بالبيع هل يملك التسليم والقبض فقال تفريعا على القول بأنه لا يملك إذا كان التوكيل في البيع والشراء في مصر غير المصر الذي فيه الموكل هل تجعل الغيبة مسلطة على التسليم حيث لا نقول يثبت ذلك في حالة كون الموكل في المصر الذي فيه الوكيل أو لا وكان بعض مشايخنا يحكي عن الشيخ العلامة الورع الفقيه الزاهد أبي الطاهر خطيب المسلمين بمصر الأول وتوجيهه ظاهر للعرف

وعن صاحب التقريب ما يدل عليه بزيادة لأنه قال إذا دفع إليه قدرا من الإبريسم ليحمله إلى غريمه ليشتري به جارية ففعل لم يلزمه نقلها وقال الإمام إنها تحصل في يده في حكم الوديعة وللإمام احتمال في لزوم رد الجارية قال ولكن الأصل خلافه لأن من التزم رد مال إنسان ولم يستأجر عليه لا يلزمه الوفاء به انتهى

قلت وأظنه يشير ببعض مشايخه إلى السديد التزمنتي فإنه شيخه وهو أعني السديد تلميذ الخطيب أبي الطاهر

وكرامات الخطيب أبي الطاهر مشهورة وقد دخل دمشق رسولا أرسله الملك الكامل إلى أخيه الأشرف موسى في الصلح بينهما

وله أصحاب كثيرون عمت عليهم بركاته وعندي بخط القاضي الفقيه كمال الدين أحمد بن عيسى بن رضوان العسقلاني صاحب شرح التنبيه وغيره من المصنفات وهو المعروف بابن القليوبي مصنف في مناقب أبي الطاهر سماه الظاهر في مناقب أبي الطاهر قال فيه إن الفقيه أبا الطاهر قصد مصر للاشتغال وكان على حالة من القلة ونزل المدرسة الصلاحية المجاورة للجامع العتيق ولم يحصل له بيت بل خزانة يضع فيها كتابه وثوبه وكوزا وإبريقا وكان معه شيء من العنبر قال فكنت أبخر ذلك الكوز وإذا جاء المعيد والتمس ماء أتيته بذلك الكوز تقربا إليه وخدمة له ثم حكى الكثير من قلة ذات يده

وحكى أن الفقيه ضياء الدين ولد الشيخ أبي عبد الله القرطبي قال أرسلني والدي إلى الفقيه أبي الطاهر يوما فصادفته في المحراب فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يقم وكان عادته غير ذلك فأبلغته الرسالة وبقي في نفسي شيء فلما رأيته في وقت آخر فسلك عادته في القيام فقلت له فقال أتيتني في موضع لا يقام فيه إلا لله تعالى

وحكى أنه جاءه بعض خدم السلطان وهو في الميعاد وبين يديه شمعة يقرأ القارئ عليها الميعاد فتقدم الرسول ليقرأ الرسالة على الشمعة فاعترضه الشيخ بيده فانجمع ثم سكت ساعة وعاد ليقرأها ففعل الشيخ مثل ذلك فرجع ثم عاد فقال له الشيخ هذه الشمعة إنما أرصدت لقراءة الميعاد

وحكى من ورعه أيضا أنه سمع الخطيب عز الدين عبد الباقي يذكر أنه دخل يوما إلى منزله وكان طعامهم إسفيدناج فسألهم هل غسل البيض أم لا فأجابوه أنه لم يغسل فاستدعى مملوكه حطلح وقال خذ هذا الطعام وألقه في مكان كذا فاحتمله إلى موضع أراد إلقاءه فيه فوجد فقيرا فقال له بالله عليك أنا أحق فقال أعرف الشيخ فأتى إليه فأخبره فقال هذا الطعام فيه لحم بكذا وبيض بكذا وحاجة بكذا وحسب جملة ما صرفه عليه فوزنها وأعطاها له وقال اطبخ بها غير هذا ولا تأكل هذا فإنه نجس

قال ابن القليوبي هذا مع أن لأصحاب الشافعي وجهين في نجاسة البيض ينبني على الخلاف في رطوبة فرج المرأة

قلت الصحيح الطهارة ولعل أبا الطاهر كان يرى النجاسة وإلا فكيف يذهب هذا المال

ونحو هذا ما حكى عنه أيضا أنه رأى في دارة برنية شراب له فيه على وجهه وزغة صغيرة فأمر بإلقائه في البحر

وحكى أنه لما توجه السلطان الملك الكامل لبعض أسفاره سأله الدعاء فقال وفق الله السلطان فشغله بالحديث ثم أعاد عليه القول فقال وفق الله السلطان ثم عند انفصاله منه سأله الدعاء فقال وفق الله السلطان فلما خلا السلطان بأصحابه تعجب منه فلما اتصل ذلك بالشيخ قال يريدني أدعو له بالنصر كأنه متوجه إلى غزو عدوه

وحكى أن الشيخ خرج مع العسكر في غزو الفرنج على المنصورة وأنه لما حمي الوطيس نزل عن فرسه وقاتل معهم وأصيب بسهام كثيرة قال ولم يجرح بشيء منها

وذكر أنه كان يسرد الصوم لا يفطر إلا العيدين وأيام التشريق وأنه كان يمكث الأيام الكثيرة لا يتناول فيها إلا اليسير من الماء للسنة

وحكى من اهتمامه بحوائج الخلق أن شخصا سأله حاجة فقال ذكرناها البارحة سبعين مرة وأن قاضي القضاة شرف الدين ابن عين الدولة سأله أن يدعو له عند طلوعه المنبر وأنه بعد مدة طويلة رأى الشيخ ذاكرا لذلك الأمر قال فسئل الشيخ فقال لم أنسه في جمعة قط

وحكى من كراماته الكثير فمن ذلك قال ابن القليوبي أخبرني شيخي -يعني والده- قال أخذت مرة كتابا من كتب الشيخ فأصاب ظاهر جلده نجاسة فخشيت أن يضع الشيخ يده عليها وبها رطوبة فيتنجس قال فصببت الماء على الجلد بحيث طهر ومررت بالكتاب بعد مدة فقال لي من أذن لك أن تغسل الجلد

قال وأخبرني الشيخ عماد الدين بن سنان الدولة قال كانت لي نسخة من التنبيه يعني مليحة حفظتها خلا باب القراض وكان الشيخ تقدم إلى الجماعة أن يعرضوا في الغد وكان من عادة الشيخ أن يأخذ كتاب الطالب فيفتحه ويستقرئه منه وخطر لي أن أشرط الورقة من الكتاب فإذا فتحه لم ير ذلك الباب فلما أصبح واستعرض الجماعة وانتهت النوبة إلي تقدمت وناولته الكتاب فقال دعه معك اقرأ باب القراض فقلت والله يا سيدي أحفظ الكتاب كله خلا هذا الباب فقال ما حملك على قطع الورقة وإفساد المالية

قال وكان إذا لحظَ شخصا انتفع بألحاظه وإذا أعرض عنه خيف عليه مغبة إعراضه

وحكى أن بعض فقهاء المذهب -ممن ذكر له والده أنه كان إذا تحدث في الفقه كان يقول لغلامه اشتر كذا وكذا لسهولة الفقه عليه وخفته على لسانه جلس مع الشيخ في مجلس قال وكان الشيخ إذا حضر مجلسا أكثر من ذكر كرامات شيخه القرشي قال فاتفق حضورهما عند الفقيه شرف الدين ابن التلمساني شارح التنبيه فسلك الشيخ عادته في حكايات شيخه القرشي وغيره من الصالحين لينتفع بها سامعها وتشغله عن الغيبة فقال له ذلك الفقيه أخبرنا عن نفسك فقال له أخبركم عن نفسي مرضت مرضة أشرفت فيها على الموت فدخل علي الشيخ القرشي عائدا فذهب عني ما كنت أجد وصليت الصبح بسورتين طويلتين فأخذ ذلك الفقيه يتحدث فأعرض عنه الشيخ فقتل بعد أيام ببعض بساتين دمشق

وحكى أن بعض طلبته نعس في الدرس فضرب الشيخ إحدى يديه على الأخرى فانتبه الشخص فقال له سالم سالم وإذا به قارب أن يحتلم فلما أيقظه الشيخ سلم

قال وأخبرني شيخي قال كنت أصلي خلف الشيخ فأصابتني حقنة شديدة واشتد ألمي بسببها بحيث كنت مفكرا إذا خرجت من الصلاة أي الجهات أنتحيها لإزالتها وإذا بالشيخ عرض له حال بكاء شديد وأهوى إلى سجادته وأخذها وقد خرج من الصلاة وقدمني مكانه فلم يبق بي شيء مما كان بي وكأنه حمل عني ما كنت أجده فانتقل إليه وزال عني

وأخبرني شيخ قال كان الشيخ مرة في الدرس في باب الهبة فانتهى إلى أنه يستحب لمن وهب لأولاده أن يسوي بينهم ثم أخذ يمثل بابني السطحي وهما أخوان طالبان في الدرس فقال كما لو وهب والد هذين لأحدهما دواة وترك الآخر فقال أحدهما والله يا سيدنا هكذا اتفق

ثم حكى ابن القليوبي من اعتقاد أهل عصره فيه حتى اليهود والنصارى وتبركهم بخطه واستشفاء مرضاهم مما ينقلونه من خطه شيئا كثيرا

وحكى أنه أريد على القضاء فامتنع فقيل له استخر فقال إنما يستخار في أمر خفيت مصلحته وجهات عاقبته وأن الطلبة اجتمعوا في البلد وكان قد شاع في أثناء المراددة بينه وبين السلطان أنه ولي فجاءهم وقال بنراي بنراي يشير إلى أنه على الحالة المعهودة منه

وحكى أنه كان لا يحب مقامات الحريري ولم تكن في كتبه مع كثرتها لما فيها من الأحاديث المختلقة وأنه كان لا يرى نسخة من ملخص الإمام فخر الدين ابن الخطيب إلا اشتراها حتى لا تقع في أيدي الناس فقيل له هذا منه نسخ كثيرة فقال فيه تقليل للمفسدة

وحكى أن كتبه كانت كثيرة وأنه كان يعيرها لمن يعرف ولمن لا يعرف سافر بها المستعير أم لم يسافر بها وكان يقول ما أعرت كتابا إلا ظننت أنه لا يرجع إلي فإذا عاد عددت ذلك نعمة جديدة

ثم عدد ابن القليوبي جماعة من أصحاب الشيخ أبي الطاهر ابتدأ منهم بذكر والده الشيخ ضياء الدين أبي الروح عيسى بن رضوان

توفي الفقيه أبو الطاهر سحر يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمصر ودفن بسفح المقطم

قال ابن القليوبي وقبره مشهور بإجابة الدعاء عنده والناس يقصدونه لذلك سمعت والدي يقول قبر الشيخ الدرياق المجرب

وسمعت أنه لم يشهد بمصر جنازة كجنازته لكثرة العالم بها وكان الملكُ الكامل غائبا في الشام فحضر الجنازة ولده السلطان الملك العادل وصادف ذلك شدة حر فيقال إنه صحب الجنازة عدة إبل كثيرة لأجل الماء وقيل إنه لم يشهد بمصر بعد جنازة المزني صاحب الشافعي مثل جنازة الفقيه أبي الطاهر

ومن الفوائد عنه

قال الحافظ أبو الحسين يحيى بن العطار القرشي سمعت الفقيه أبا الطاهر محمد بن الحسين الأنصاري المحلي يقول سمعت الشيخ أبا عبد الله القرشي يعني محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي العارف يقول كنت ليلة عند الشيخ أبي إسحاق بن طريف فقدم لنا عند الإفطار ثريدة بحمص فلما اجتمعنا لنأكل أمسك عن الأكل واعتزل فلم يقدر أحد أن يمد يده إلى الطعام ثم قال يا محمد بلغني الآن أن حصن فلان قد أخذه العدوُّ وأسر من فيه وبلغ من حالهم أنهم مكتفون يأكلون الحشيش بأفواههم فاعتزلنا فلما كان بعد وقت قال لنا كلوا فقد فرج الله عنهم فلما كان بعد ذلك -يعني بحين- جاء الخبر بأن العدوَّ قد أخذ ذلك الحصن وأن أهله المسلمين بلغ من حالهم ما ذكره الشيخ أبو إسحاق وأن العدوَّ جاءتهم في تلك الليلة صيحة ظنوا أنهم أحيط بهم فانهزموا وفرج الله عن المسلمين وتخلصوا

قلت القرشي هذا كان من كبار العارفين وهو صاحب القصيدة المسماة ب الفرج بعد الشدة المجربة لكشف الكروب وأولها

اشتدي أزمة تنفرِجي ** قد آذن ليلك بالبلج

وظلام الليل له سرج ** حتى يغشاه أبو السرج

وسحاب الخيرِ لها مطر ** فإذا جاء الإبان تجي

وفوائد مولانا جمل ** لسروح الأنفُس بالمهج

ولها أرج محي أبدا ** فاقصد محيا ذاك الأرج

ولربتما فاض المحيا ** ببحورِ الموج من اللجج

والخلق جميعا في يده ** فذوو سعة وذوو حرج

ونزولهم وطلوعهم ** فإلى دركِ وعلى درج

ومعايشهم وعواقبهم ** ليست في المشي على عوَج

حكَم نسجت بيد حكَمت ** ثم انتسجت بالمنتسج

فإذا اقتصدت ثم انعرجت ** فبمقتصد وبمنعرِج

شهدت بعجائبها حجج ** قامت بالأمر على الحجج

ورضا بقضاء الله حجى ** فعلى مركوزته فعج

وإذا انفتحت أبواب هدى ** فاعجل لخزائنها وَلج

وإذا حاولت نهابتها ** فاحذر إذ ذاك من العرج

لتكون من السباق إذا ** ما سرت إلى تلك الفُرج

فهناك العيش وبهجته ** فَلمبتهج ولمنتهج

فهج الأعمال إذا ركدت ** فإذا ما هجت إذا تهج

ومعاصي الله سماجتها ** تزدان لذي الخلق السمج

ولطاعته وصباحتها ** أنوار صباح منبلج

من يخطب حور الخلد بها ** يظفَر بالحوُرِ وبالغُنج

فكن المرضي لها بتقى ** ترضاه غدا وتكون نجي

واتل القرآن بقلب ذي ** حزن وبصوت فيه شجي

وصلاة الليل مسافتها ** فاذهب فيها بالفهم وجي

وتأملها ومعانيها ** تأت الفِردوس وتنفرِج

واشرب تسنيم مفَجرِها ** لا ممتزجا وبممتزج

مدح العقل الآتيه هدى ** وهوى متول عنه هجي

وكتاب الله رياضته ** لعقول الخلق بمندرِج

وخيار الخلق هداتهم ** وسواهم من همج الهمج

فإذا كنت المقدام فلا ** تجزعْ في الحرب من الرهج

وإذا أبصرت منار هدى ** فاظهرفردا فوق الثبج

وإذا اشتاقت نفس وجدت ** ألما بالشوق المعتلج

وثنايا الحسنا ضاحكة ** وتمام الضحكِ على الفَلج

وعياب الأسرارِ اجتمعت ** بأمانتها تحت الشرج

والرِفق يدوم لصاحبه ** والخرق يصير إلى الهرج

صلوات الله على المهدي ** الهادي الناس إلى النهج

وأبي بكرِ في سيرته ** ولسان مقالته اللهج

وأبي حفص وكرامته ** في قصة سارية الخلج

وأبي عمروٍ ذي النورين المستحيي ** المستحيى البهج

وأبي حسن في العلم إذا ** وافى بسحائبه الخلج

ورأيت في كتاب الغرة اللائحة لأبي عبد الله محمد بن علي التوزري المعروف بابن المصري أن هذه القصيدة لأبي الفضل يوسف بن محمد النحوي التوزري قال وذلك أن بعض المتغلبين عدا على أمواله وأخذها فبلغه ذلك وكان بغير مدينة توزر فأنشأها فرأى ذلك الرجل في نومه تلك الليلة رجلا في يده حربة وقال له إن لم ترد على فلان أمواله وإلا قتلتك بهذه الحربة فاستيقظ مذعورا وأعاد عليه أمواله

قلت وكثير من الناس يعتقد أن هذه القصيدة مشتملة على الاسم الأعظم وأنه ما دعا بها أحد إلا استجيب له وكنت أسمع الشيخ الوالد رحمه الله إذا أصابته أزمة ينشدها

1073 محمد بن سام أبو المظفَّر الغزنوي

السلطان شهاب الدين صاحب غزنة

أحد المشكورين من الملوك الموصوفين بمحبة العلماء وإحضارِهم للمناظرة عنده

وهو الذي قال له الإِمام فخر الدين الرازي في موْعظة وَعظها له على المنْبر يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى ‏{‏وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ‏}

ملك غزنة والهند وكثيرا من بلاد خراسان وكان شافعي المذهب أشعري العقيدة له بلاء حسن في الكُفّار

قتلته الباطنية اغتيالا جهزهم الكفار عليه لشدة ما أنكى فيهم فإنه كان جاهد في الكفارِ وأَوْسعهم قتلا ونهبا وأسرا فجهَّزوا عليه الباطنية فقتلوه بعد عوده من لهاوُر في شعبان سنة اثنتين وستمائة

1074 محمد بن سعيد بن يحيى بن علي بن الحجاج بن محمد بن الدبيثي

الحافظ أبو عبد الله الواسطي

ولد في رجب سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

وسمع من أبي طالب محمد بن أحمد بن على الكَتاني وعلي بن المبارك الآمدي وأبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج محمد بن أحمد بن نبهان والحافظ أبي بكر محمد بن موسى الحازمي وخلق

روى عنه ابن النجار وابن نقطة و الزكِىُّ البرزالي والخطيب عز الدين الفاروثي وتاج الدين أبو الحسن العراقي وآخرون

رحل إلى بغداد وتفقه بها على الإِمام هبة الله بن البوقي وعلق الاصول والخلاف وعني بالحديث أتم عناية

وصنف في تاريخ واسط و الذيل على ذيل ابن السمعاني وغيرهما

قال ابن النجار هو أحد الحفاظ المكثرين ما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ والسير وأيام الناس

وقال ابن نقطة له معرفة وحفظ

قال ابن النجار أضر ابن الدبيثي بأَخرة

وتوفي ببغداد في ثامن شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة

1075 محمد بن سعيد بن ندى أبو بكر الطحان

1076 محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن الشيخ كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبيني

مصنف كتاب العقد الفريد

ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

تفقه وبرع في المذهب وسمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية وحدث بحلب ودمشق

روى عنه الحافظ الدمياطي ومجد الدين ابن العديم

وكان من صدور الناس ولى الوزارة بدمشق يومين وتركها وخرج عما يملكة من ملبوس ومملوك وغيره وتزهد

توفي ابن طلحة في سابع عشرين رجب سنة اثنتين وخمسين وستمائة

1077 محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم بن صدقة

ابن حفص الصفراوي الاسكندراني القاضي شرف الدين بن عين الدولة

مولده في مستهل جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالإسكندرية

وتفقه بمصر على أبي إسحاق العراقي شارح المهذب وسمع الحديث من قاضي القضاة عبد الملك بن درباس وغيره

وروى عنه الحافظان المنذري وابن مسدى

وناب في الحكم بالقاهرة عن قاضي القضاة عماد الدين بن السكري وكان يوقع عنه فلما توفي ولي ابن عين الدولة قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري وولي تاج الدين ابن الخراط مصر والوجه القبلي ثم لما صرف ابن الخراط جمع لابن عين الدولة العملان وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة فلم يزل إلى أن عزل عن مصر والوجه القبلي بالقاضي بدر الدين ابن السنجاري في سنة تسع وثلاثين وبقي قاضيا بالقاهرة والوجه البحري فقط

وكان فقيها فاضلا عارفاً بالشروط أديبا يحفظ كثيرا من الأشعار والحكايات مزوحا يحكى عنه نوادر كثيرة دينا مصمما وكانت نوادره لا يخرِجها إلا بسكون وناموس

وفي زمنه اتفقت الحكاية التي اتفقت في زمن الإمام محمد بن جرير الطبري وهو أن أمرأة كادت زوجها فقالت له إن كنت تحبني فاحلف بطلاقي ثلاثا مهما قلت لك تقول مثله في ذلك المجلس فحلف فقالت له أنت طالق ثلاثا قل كما قلت لك فأمسك وارتفعا إلى ابن عين الدولة فقال خذ بعقصتها وقل أنت طالق ثلاثا إن طلقتك

قلت وكأنهما ارتفعا إليه في المجلس وقد قدمنا المسألة في ترجمة ابن جرير في الطبقة الثانية مستوفاة

ومن شعره

وليت القضاء وليت القضاء ** لم يكُ شيئا توليته

وقد ساقني للقضاء القضا ** وما كنت قدما تمنيته

توفي بمصر في سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة

ذكر الحكاية العجيبة المشهورة عنه في عجيبة

وعجيبة مغنية كانت بمصر على عهد السلطان الملك الكامل بن أيوب ويذكَر أن الكامل كان مع تصميمه بالنسبة إلى أبناء جنسه تحضر إليه ليلا وتغنيه بالجنْك على الدف في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره وأولع الكامل بها جدا ثم اتفقت قضية شهد فيها الكامل عند ابن عين الدولة وهو في دست ملكه فقال ابن عين الدولة السلطان يأمر ولا يشهد فأعاد عليه السلطان الشهادة فأعاد القاضي القول فلما زاد الأمر وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته قال أنا أشهد تقبلني أم لا فقال القاضي لا ما أقبلك وكيف أقبلك وعجيبة تطلع إليك بجنكِها كل ليلة وتنزل ثاني يوم بكرة وهي تتمايل سكرا على أيدي الجواري وينزل ابن الشيخ من عندك أنجس مما نزلت فقال له السلطان يا كنواخ وهي كلمة شتم بالفارسية فقال ما في الشرع يا كنواخ اشهدوا علي أني قد عزلت نفسي ونهض فجاء ابن الشيخ إلى الملك الكامل وقال المصلحة إعادته لئلا يقال لأي شيء عزل القاضي نفسه وتطير الأخبار إلى بغداد ويشيع أمر عجيبة فقال له صدقت ونهض إلى القاضي وترضاه وعاد إلى القضاء

قلت وهذه حكاية يستحسنها المؤرِخون لما فيها من تصميم القاضي غافلين عن وجهها الفقهي وقد يقال إن كان الفسق عند ابن عين الدولة مخرِجا للسلطان عن الأهلية فذلك يعود على ولايته القضاء التي وليها من قبله بالإبطال

وجواب هذا أن الفِسق لا ينعزل به السلطان على الصحيح من المذهب

ثم قال القاضي حسين وجماعات آخرهم الشيخ الإمام رحمه الله أما وإن لم يعزله فلا يصحح منه ما يمكن تصحيحه من غيره فلا يقضي ولا يزوِّج الأيامى لأن فيمن يقيمه من القضاة مغنيا عنه فيه بخلاف تولية القضاء وغيره مما لا يتهيأ إلا من الإمام ويبين مخالفته فيه فإنه يصح منه فعلى هذا القول لا على غيره تتخرج هذه الحكاية

1078 محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني

الأستاذ المقدم في النحو واللغة جمال الدين أبو عبد الله صاحب التصانيف السائرة

ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة

وسمع بدمشق من أبي صادق الحسن بن صباح وأبي الحسن السخاوي وغيرهما

حدثنا عنه شيخنا المسند محمد بن إسماعيل بن إبراهيم

وأخذ العربية عن غير واحد وهو حبرها السائرة مصنفاته مسير الشمس ومقدمها الذي تصغي له الحواس الخمس وكان إماما في اللغة إماما في حفظ الشواهد وضبطها إماما في القراءات وعللها وله الدين المتين والتقوى الراسخة

توفي في ثانى عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتي عليه أخبرنا الإمام جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك النحوي أخبرنا أبو الحسن على بن محمد بن عبد الصمد السخاوي أخبرنا الحافظ أبو طاهرالسلفي أخبرنا أبو العلاء محمد بن عبد الجبار بن محمد الفرساني بقراءتي عليه قلت له حدثكم أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عبدكويه إملاء حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا حدثنا سلمة حدثنا أبو المغيرة حدثنا أبو بكر ابن أبي مريم حدثنا القاسم بن سعيد أن النبي قال إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر لخلقه كلهم غير المشرك والمشاحن وفيها يوحي الله إلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة

أنشدنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أنشدنا أبو عبد الله بن أبي الفتح أنشدنا ابن مالك لنفسه في أسماء الذهب

نضر نضير نضار زبرِج سيرا ** وزخرفٌ عسجد عقيان الذهب

والتبر ما لم يذب وأشركوا ذهبا ** وفضة في نسيكٍ هكذا الغرب

نسيك بفتح النون ثم سين مهملة مكسورة ثم آخر الحروف ثم كاف والغَرب بفتح الغين المعجمة والراء وهما من أسماء كل من الذهب والفضة

1079 محمد بن عبد الله بن محمد السلمي شرف الدين ابن أبي الفضل المرسي

ولد بمرسية سنة سبعين وخمسمائة وسمع الحديث بها ثم قدم بغداد وسمع من شيوخها ثم سافر إلى خراسان وسمع بنيسابور وهراة ومرو وعاد إلى بغداد ثم قدم دمشق ثم مصر ثم قوص ثم مكة ثم عاد إلى بغداد وحدث ب سنن البيهقي عن منصور الفُراوي وب صحيح مسلم عن المؤيد الطوسي

وكان فقيها محدثا أصوليا نحويا أديبا زاهدا متعبدا صنف تفسيرا حسنا

توفي بين العريش وغزة سنة خمس وخمسين وستمائة

أنشدنا شيخنا أبو حيان النحوي إذنا أنشدنا أبو الهدى عيسى السبتي أنشدني ابن أبي الفضل لنفسه

من كان يرغب في النجاة فما له ** غير اتباع المصطفى فيما أتى

ذاك السبيل المستقيم وغيره ** سبل الضلالة والغِواية والردى

فاتبع كتاب الله والسنن التي ** صحت فذاك إذا اتبعت هو الهدى

ودع السؤال بكم وكيف فإنه ** باب يجر ذوي البصيرة للعمى

الدين ما قال النبي وصحبه ** والتابعون ومن مناهجهم قفا

أنشدنا أحمد بن أبي طالب إذنا عن الحافظ ابن النجار أن المرسي أنشده لنفسه بالمستنصرية

قالوا فلان قد أزال بهاءه ** ذاك العذار وكان بدر تمام

فأجبتهم بل زاد نور بهائه ** ولذا تزايد فيه فَرط غرامي

استقصرت ألحاظُه فتكاتها ** فأتى العذار يمدها بسهام

ومن الفوائد عن ابن أبي الفضل المرسي

قال النحاة في إعراب قوله تعالى ‏{‏لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ‏}‏ من قوله تعالى ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ‏}‏ إن ‏{‏إِلَه‏}‏ في موضع رفع مبني على الابتداء والخبر محذوف أي لنا أو في الوجود

واعترض صاحب المنتخب تقدير الخبر فقال إن كان لنا فيكون معنى قوله ‏{‏لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ‏}‏ معنى قوله ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ‏}‏ فيكون تكرارا محضا وإن كان في الوجود كان نفيا لوجود الإله ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود فكان إجراء الكلام على ظاهرِه والإعراض عن هذا الإضمار أولى

وأجاب أبو عبد الله المرسي في ري الظَمآن فقال هذا كلام من لا يعرف لسان العرب فإن ‏{‏إِلَه‏}‏ في موضع المبتدأ على قول سيبويه وعند غيره اسم ‏{‏لَا‏}‏ وعلى كلا التقديرين فلا بد من خبر للمبتدأ أو للا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد وأما قوله إذا لم يضمر كان نفيا للماهية فليس بشيء لأن نفي الماهية هو نفي الوجود لأن الماهية لا تتصوّر عندنا إلا مع الوجود فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود انتهى

قلت ما ذكر صاحب المنتخب من عدم تقدير خبر يشبه ما يقوله الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في إعراب ‏{‏الله‏}‏ من قوله تعالى ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ كما سنحكيه إن شاء الله في ترجمته لكن يبقى عليه أن لا يجعل هنا مبتدأ بل يجعل ‏{‏إِلَه‏}‏ كلمة مفردة لا معربة ولا مبنية وحينئذ فلا يقال له لا بد للمبتدأ من خبر إذ لا مبتدأ حتى يستدعي خبرا ويقوى هذا على رأي بني تميم فإنهم لا يثبتون الخبر وأكثر الحجازيين على حذفه

فإن قلت هب أنهم لا يثبتونه ولكن يقدرونه

قلت إن سلمنا أنهم يقدرونه فذلك لجعلهم الاسم مبتدأ ومن لا يجعله مبتدأ لا يسلم التقدير ثم أقول المفهوم من كلام صاحب المنتخب رد هذين الإضمارين وهما إضمار لنا وإضمار في الوجود لا رد مطلق الإضمار فلو أضمر متصوَّرا ونحو ذلك من التقدير العام لم ينكِره ففهم المرسي عنه أنه لا يقدر الخبر فيه نظر وإنما الذي لا يقدره هذا الإضمار لا مطلق الخبر

وأما قوله لا فرق بين نفي الماهية ونفي الوجود فصحيح لكن قول المرسي إن الماهية لا تتصوَّر عندنا إلا مع الوجود مستدرك فإن الماهية عندنا معاشر الأشاعرة نفس وجودها ولا نقول إنه لا تتصوَّر إلا مع وجودها وهذا مقرر في أصول الديانات

1080 محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بختيار بن علي الهمامي أبو عبد الله ولد بالهمامية من قرى واسط

قال ابن النجار كان حافظا للمذهب سديد الفتاوى ورِعا دينا كثير العبادة أريد على أن يلي القضاء بواسط فلم يجب

توفي في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وستمائة

1081 محمد بن عبد الرحمن بن الأزدي أو الكِندي المصري

كان يفتي مع شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام

واختصر المذهب في مصنف سماه الهادي وفيه يقول فيمن سها وسلم ولم يسجد ما نصه فإن سلم فأحدث فعن له فسجد بطلت صلاته على الصحيح انتهى

ومراده بعن له فتطهَّر وهذا غريب والمعروف أنا إذا قلنا يسجد عند قرب الفصل قول الإمام ولو سلم وأحدث ثم انغمس في ماء على قرب الزمان فالظاهر أن الحدث فاصل وإن لم يطل الزمان انتهى فأخذ منه صاحب الهادي أنه إذا تطهَّر وسجد صار عائدا ثم فرع عليه أنه إذا عاد بطلت لأنها صلاة تخللها حدث فتبطل على المذهب

1082 محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد

قاضي القضاة بالشام عز الدين ابن الصائغ

ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع أبا المنجا ابن اللتي والحافظ يوسف بن خليل وغيرهما

وحدثنا عنه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز

ولازم القاضي كمال الدين التفليسي وصار من أعيان أصحابه ثم ولي تدريس الشامية البرانية مشاركا للقاضي شمس الدين ابن المقدسي ثم استقل بها ابن المقدسي وانفصل عز الدين ثم ولي وكالة بيت المال ثم قضاء القضاة فباشره مباشرة جيدة وحمدت سيرته ثم عزل وولي ابن خلكان ثم أعيد فاستمر إلى سنة اثنتين وثمانين فتضافرت عليه الأعداء وامتحن محنة شديدة وسجن في القلعة ثم أطلق من الحبس واستمر معزولا إلى أن مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة عن خمس وخمسين سنة

1083 محمد بن عبد الكافي بن علي بن موسى القاضي شمس الدين الربعي الصقلي ثم الدمشقي

مدرِس الأمينية

سمع من الأمير أسامة بن منقذ

روى عنه الحافظ الدمياطي وغيره وولي قضاء حمص وتوفي سنة تسع وأربعين وستمائة

1084 محمد بن عبد الواحد بن أبي سعد المديني أبو عبد الله الواعظ

ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بمدينة جي

وسمع الحديث من أبي القاسم إسماعيل بن علي الحمَامي وأبي الوقت السجزي وأبي الخير محمد بن أحمد الباغباني وغيرِهم

حدَث عنه الحافظ ضياء الدين المقدسي والحافظ ابن النجار وقال هو واعظٌ ثبت شافعي له معرفة بالحديث قتل بأصبهان شهيدا على يد التتر في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

1085 محمد بن عثمان بن بنت أبي سعد القاهرِي الشيخ شرف الدين

شيخ شيوخنا فقيه أصولي نحوي أديب

توفي في المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة

حدثونا عنه ومن شعره

إن شعري قد حط سعري حتى ** صار قدري كمثل قدرِ الهلال

ذؤابة النعل **

ثم نحوي جر المكارم نحوى ** فاعتراني منها كلسع الهلال

ضرب من الأفاعي **

وأصول الفروع حيث وصولي ** لمرامي فبعده كالهلال

هلال السماء **

وأصول الكلام منها كِلامي ** فتخلفت في الورى كهلال

هلال رايته **

ثم زجري قد جر رجزي حتى ** ربط الذل بي كربط الهلال

ما يجمع حنْى الرحل **

وعروضي قد حط قدر عروضي ** فرماني صحبي كرمي الهلال

قطعة من الرحى المكسورة **

ثم طبي لأجله زال طبي ** وأتاني بمثل طعن الهلال

حربة لها شعبتان **

وبياني قد جب كسب بناني ** بعد صيدي به كصيد الهلال

حديدة الصائد **

ثم نثري مثل النثار ومنه ** خفَّ رزقي عندي بمثل الهلال

ما أطاف حول الإصبع **

علم الإنساب حاز الأسباب عني ** فأبى الدهر لي بطحن الهلال

بالرحى المكسورة **

ثم خطي قد حطَ حظي حتى ** فاتني في الورى جميع الهلال

الغبار والهبا **

وكذا الرمي أثقل الرمى مني ** وكساني ثوبا كمثل الهلال

جمع هلة وهي المقرضة **

ونجومي تحت النجوم رمتني ** بعد وردي منها كوِرد الهلال

سلخ الأفعى **

ولقد كنت أنشر العلم دهرا ** لست فيه مؤاخرا كالهلال

بقية الماء في الحوض **

فتركت العلوم مما دهاني ** بعد سمعي كل الورى في الهلال

مقاوَلة الأجير على الشهور **

وتصوّفت إذ سبقت البرايا ** بخشوعي دفعتهم في الهلال

المماراة في رِقة السنح **

ثم إني زهدت في الدهرِ أيضا ** بعد أن كنت لاحقا بالهلال

سفيان بن عيينة الهلالي **

1086 محمد بن علي بن علي بن المفضل الحلي مهذب الدين أبو طالب ابن الخيمي

أديب شاعر سمع ببغداد من ابن الزاغوني وحدث عنه المنذري وغيره

ومن شعره

أربعة من شكَّ في فضلهم ** فهو عن الإيمان في معزل

فضل أبي بكر وتقديمه ** وصاحبيه وأخيهم علي

فقل لهم عني كذا أخبر ** الثقات عنهم وكذا قيل لي

وإن من أقبحها شنْعة ** تأخير من قدم في الأول

ولد بالحلة سنة تسع وأربعين وخمسمائة وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وقيل إحدى وأربعين وستمائة

1087 محمد بن علي بن الحسين الخلاطي الفقيه أبو الفضل القاضي

له كتاب قواعد الشرع وضوابط الأصل والفرع على الوجيز وله مصنفات غير ذلك

سمع ببغداد من الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروَردي وبدمشق من أبي المنجا عبد الله بن عمر ابن اللتي وحدث وانتقل إلى القاهرة فولي قضاء الشارع بظاهرها

توفي في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة بالقاهرة

1088 محمد بن علوان بن مهاجر بن علي بن مهاجر الإمام شرف الدين أبو المظفَّر الموصلي

ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

وتفقّه بالموصل على أبي البركات ابن السروجي وببغداد على أبي المحاسن يوسف بن بندار

وبرع في المذهب وسمع الحديث من الحسين بن المؤمل ومحمد بن علي بن ياسر الجياني وجماعة

روى عنه الزكي البرزالي وغيره

وله تعليقة في الفقه

درس بالمدرسة التي أنشأها أبوه علوان بالموصل وبمدارس أخر

مات بالموصل ثالث المحرم سنة خمس عشرة وستمائة

1089 محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري الإمام فخر الدين الرازي ابن خطيب الري

إمام المتكلمين ذو الباع الواسع في تعليق العلوم والاجتماع بالشاسع من حقائق المنطوق والمفهوم والارتفاع قدرا على الرِفاق وهل يجري من الأقدار إلا الأمر المحتوم

بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر وحبر سما على السماء وأين للسماء مثل ما له من الزواهر وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحاكي ما لديه من الأزاهر

انتظمت بقدرِه العظيم عقود الملة الإسلامية وابتسمت بدرِه النظيم ثغور الثغور المحمدية تنوّع في المباحث وفنونها وترفّع فلم يرض إلا بنكَت تسحر ببيونها وأتى بجنات طلعها هضيم وكلمات يقسم الدهر أن الملحد بعدها لا يقدر أن يضيم

وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد واعتزل المعتزلي علما أنه ما يلفِط من قول إلا لديه رقيب عتيد

وخاض من العلوم في بحار عميقة وراض النفس في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة

أما الكلام فكل ساكت خلفَه وكيف لا وهو الإمام رد على طوائف المبتدعة وهد قواعدهم حين رفض النفس للرفض وشاع دمار الشيعة وجاء إلى المعتزلة فاغتال الغيلانية وأوصل الواصلية النقمات الواصبية وجعل العمرِية أعبدا لطلحة والزبير وقالت الهذلية لا تنتهي قدرة الله على خير وصبر وأيقنت النظامية بأنه أذاق بعضهم بأس بعض وفرق شملهم وصيرهم قطعا وعبست البشرية لما جعل معتزلهم سبعا وهشم الهشامية والبهشمية بالحجة الموضحة وقصم الكعبية فصارت تحت الأرجل مجرحة وعلمت الجبائية مذ قطعها أن الإسلام يجب ما قبله وانهزم جيش الأحيدية فما عاد منهم إلا من عاد إلى القبلة وعرج على الخوارِج فدخلوا تحت الطاعة وعلمت الأزارِقة منهم أن فتكات أبيضه المحمدية ونار أسمرِه الأحمدية لا قبل لهم بها ولا استطاعة وقالت الميمونية اليمن من الله والشر وخنست الأخنسية وما فيهم إلا من تحيز إلى فئة وفر والتفت إلى الروافض فقالت الزيدية ضرب عمرو وخالد وبكر زيدا وقالت الإمامية هذا الإمام ومن حاد عنه فقد جاء شيئا إدا وأيقنت السليمانية أن جنها حبس في القناني وقالت الأزلية هذا الذي قدر الله في الأزل أن يكون فردا وعوَّذه بالسَبع المثاني وقال المنتظرون هذا الإمام وهذا اليوم الموعود وجعلت الكيسانية في ظلال كيسه وسجل عليهم بالطاعة في يوم مشهود ونظر إلى الجبرية شزرا فمشى كل منهم على كُره الهوَينا كأنه جاء جبرا وعلمت النجارية أن صنعها لا يقابل هذا العظيم النجار ونادت الضرارية لا ضرر في الإسلام ولا ضرار وتطلع على القدرية فعبس كل منهم وبسر ثم أقبل واستصغر وكان من الذباب أقل وأحقر فقتل كيف قدر وانعطف إلى المرجئة وما أرجأهم وجعل العدمية منه خالدية في الهون وساءهم بنارهم ودعا الحلولية فحل عليهم ما هو أشد من المنية وأصبحت الباطنية تأخذ أقواله ولا تتعدى مذهب الظاهرية وأما الحشوية قبح الله صنعهم وفضح على رؤوس الأشهاد جمعهم فشرِبوا كأسا قطع أمعاءهم وهربوا فِرارا إلى خسي الأماكن حتى عدم الناس محشاهم وصار القائل بالجهة في أخس الجهات وعرِض عليه كل جسم وهو يضرِب بسيف الله الأشعري ويقول ‏{‏هَلْ مِن مَّزِيدٍ‏}‏ هات حتى نادوا بالثبور وزال عن الناس افتراؤهم ومكرهم ‏{‏وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ‏}‏ وأما النصارى واليهود فأصبحوا جميعا وقلوبهم شتى ونفوسهم حيارى ورأيت الفريقين ‏{‏سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى‏}‏ وما من نصراني رآه إلا وقال أيها الفرد لا نقول بالتثليث بين يديك ولا يهودي إلا سلم وقال ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}

هذا ما يتعلق بعقائد العقائد وفرائد القلائد

وأما علوم الحكماء فلقد تدرع بجلبابها وتلفَّع بأثوابها وتسرع في طلبها حتى دخل من كل أبوابها وأقسم الفيلسوف إنه لذو قدر عظيم وقال المنصف في كلامه هذا ‏{‏مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ‏}‏ وآلى ابن سينا بالطور إليه من أن قدره دون هذا المقدار وعلم أن كلامه المنثور وكتابه المنظوم يكاد سنا برقهما يذهب بالأبصار وفهم صاحب أقليدس أنه اجتهد في الكواكب وأطلعها سوافِر وجد حتى أبرزها في ظلام الضلال غُرر نهار لا يتمسك بعصم الكوافِر

وأما الشَرعيات تفسيرا وفقها وأصولا وغيرها فكان بحرا لا يجارى وبدرا إلا أن هداه يشرق نهارا هذا هو العلم كيف يليق أن يتغافل المؤمن عن هذا وهذا هو دوا الذهن الذي كان أسرع إلى كل دقيق نفاذا وهذا هو الحجة الثابتة على قاضي العقل والشرع وهذه هي الحجة التي يثبت فيها الأصل ويتفرع الفَرع ما القاضي عنده إلا خصم هذا الجلل إن ماثله إلا ممن تلبس بما لم يعط ولم يقف عند حد له ولا رسم وما البصري إلا فاقد بصره وإن رام لحاق نظرِه فقد فقد نظر العين ولا أبو المعالي إلا ممن يقال له هذا الإمام المطلق إن كنت إمام الحرمين

ولقد أجاد ابن عنين حيث يقول فيه

ماتت به بدع تمادى عمرها ** دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي

وعلا به الإسلام أرفع هضبة ** ورسا سواه في الحضيض الأسفل

غَلط امرؤٌ بأبى علي قاسه ** هيهات قصر عن هداه أبو على

لو أن رسطاليس يسمع لفظة ** من لفظه لعرته هزة أفكَل

ولحار بطليموس لو لاقاه من ** برهانه في كل شكل مشكِل

ولو أنهم جمعوا لديه تيقنوا ** أن الفضيلة لم تكن للأول

ولد الإمام سنة ثلاث وأربعين وقيل أربع وأربعين وخمسمائة

واشتغل على والده الشيخ ضياء الدين عمر وكان من تلامذة محيى السنة أبي محمد البغوي وقرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغَة وتفقّه على الكمال السمناني ويقال إنه حفظ الشامل في علم الكلام لإمام الحرمين

وكان أول أمره فقيرا ثم فتحت عليه الأرزاق وانتشر اسمه وبعد صيته وقصد من أقطار الأرض لطلب العلم

وكانت له يد طولى في الوعظ بلسان العربي والفارسي ويلحقه فيه حال وكان من أهل الدين والتصوُّف وله يد فيه وتفسيره ينبىء عن ذلك

وعبر إلى خوارزم بعد ما مهر في العلوم فجرى بينه وبين المعتزلة مناظرات أدت إلى خروجه منها ثم قصد ما وراء النهر فجرى له أشياء نحو ما جرى بخوارزم فعاد إلى الري ثم اتصل بالسلطان شهاب الدين الغوري وحظي عنده ثم بالسلطان الكبير علاء الدين خوارزمشاه محمد بن تكُش ونال عنده أسنى المراتب واستقر عنده بخراسان

واشتهرت مصنفاته في الآفاق وأقبل الناس على الاشتغال بها ورفضوا كتب المتقدمين

وأقام بهراة وكان يلقب بها شيخ الإسلام وكان كثير الإزراء بالكرامية فقيل إنهم وضعوا عليه من سقاه سما فمات

وكان خوارزمشاه يأتي إليه وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاثمائة نفس من الفقهاء وغيرهم

وكان شديد الحرص جدا في العلوم وأصحابه أكثر الخلق تعظيما له وتأدبا معه له عندهم المهابة الوافرة

ومن تصانيفه التفسير والمطالب العالية ونهاية العقول والأربعين والمحصل والبيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان والمباحث العمادية والمحصول وعيون المسائل وإرشاد النظار وأجوبة المسائل البخارية والمعالم و تحصيل الحق والزبدة وشرح الإشارات وعيون الحكمة وشرح الأسماء الحسنى

وقيل شرح مفصل الزمخشري في النحو ووجيز الغزالي في الفقه وسقط الزند لأبي العلاء وله طريقة في الخلاف و مصنف في مناقب الشافعي حسن وغير ذلك

وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه

حكى الأديب شرف الدين محمد بن عنين أنه حضر درسه مرة وهو شاب وقد وقع ثلج كبير فسقطت بالقرب منه حمامة وقد طردها بعض الجوارِح فلما وقعت رجع عنها الجارح فلم تقدر الحمامة على الطيران من الخوف والبرد فلما قام الإمام من الدرس وقف عليها ورق لها وأخذها قال ابن عنين فقلت في الحال

يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا ** في كل مسغبة وثلج خاشف

العاصمين إذا النفوس تطايرت ** بين الصوارِم والوشيج الراعفِ

من أنبأ الورقاء أن محلكم ** حرم وأنك ملجأٌ للخائف

وفدت إليك وقد تدانى حتفُها ** فحبوتها ببقائها المستأنفِ

لو أنها تحبى بمال لانثنت ** من راحتيك بنائل متضاعفِ

جاءت سليمان الزمان بشكوها ** والموت يلمع من جناحي خاطفِ

قدم لواه الفَوت حتى ظله ** بإزائه يجري بقلب واجفِ

واعلم أن شيخنا الذهبي ذكر الإمام في كتاب الميزان في الضعفاء وكتبت أنا على كتابه حاشية مضمونها أنه ليس لذكرِه في هذا المكان معنى ولا يجوز من وجوه عدة أعلاها أنه ثقة حبر من أحبار الأمة وأدناها أنه لا رواية له فذكره في كتب الرواة مجرد فضول وتعصب وتحامل تقشعر منه الجلود

وقال في الميزان له كتاب أسرار النجوم سحر صريح

قلت وقد عرفناك أن هذا الكتاب مختلق عليه وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السحر ويكفيك شاهدا على تعصب شيخنا عليه ذكره إياه في حرف الفاء حيث قال الفخر الرازي ولا يخفى أنه لا يعرف بهذا ولا هو اسمه أما اسمه فمحمد وأما ما اشتهر به فابن الخطيب والإمام فإذا نظرت أيها الطارح رِداء العصبية عن كتفيه الجانح إلى جعل الحق بمرأى عينيه إلى رجل عمد إلى إمام من أئمة المسلمين وأدخله في جماعة ليس هو منهم أعني رواة الحديث فإن الإمام لا رواية له ودعاه باسم لا يعرف به ثم نظرت إلى قوله في آخر الميزان إنه لم يتعمد في كتابه هوى نفس وأحسنت بالرجل الظن وأبعدته عن الكذب أوقعته في التعصب وقلت قد كرِهه لأمور ظنها مقتضية الكراهة ولو تأملها المسكين حق التأمل وأوتي رشده لأوجبت له حبا عظيما في هذا الإمام ولكنها الحاملة له على هذه العظيمة والمردية له في هذه المصيبة العميمة نسأل الله الستر والسلامة

وذكِر أن الإمام وعظ يوما بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري وحصلت له حال فاستغاث يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرارزي يبقى ‏{‏وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ‏}

وبلغ من أمرِ الحشوية أن كتبوا له رِقاعا فيها أنواع السيئات وصاروا يضعونها على منبره فإذا جاء قرأها فقرأ يوما رقعة ثم استغاث في هذه الرقعة أن ابني يفعل كذا فإن صح هذا فهو شاب أرجو له التوبة وأن امرأتي تفعل كذا فإن صح هذا فهي امرأة لا أمانة لها وأن غلامي يفعل كذا وجدير بالغِلمان كل سوء إلا من حفِظ الله وليس في شيء من الرِقاع -ولله الحمد- أن ابني يقول إن الله جسم ولا يشبه به خلقه ولا أن زوجتي تعتقد ذلك ولا غلامي فأي الفريقين أوضح سبيلا

قال أبو عبد الله الحسن الواسطي سمعت الإمام بهراة ينشد على المنبر عقيب كلام عاتب فيه أهل البلد

المرء ما دام حيا يستهان به ** ويعظُم الرزء فيه حين يفتقد

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا الكمال عمر بن إلياس بن يونس المراغي أخبرنا التقي يوسف بن أبي بكر النسائي بمصر أخبرنا الكمال محمود بن عمر الرازي قال سمعت الإمام فخر الدين يوصي بهذه الوصية لما احتضر لتلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني

يقول العبد الراجي رحمة ربه الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسن الرازي وهو أول عهده بالآخرة وآخر عهده بالدنيا وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس ويتوجه إلى مولاه كل آبق أحمد الله بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرفِ أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم وأحمده بالمحامد التي يستحقها عرفتها أو لم أعرفها لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب

وصلواته على ملائكته المقربين والأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالحين

اعلموا أخلاَّئي في الدين وإخواني في طلب اليقين أن الناس يقولون إن الإنسان إذا مات انقطع عمله وتعلقه عن الخلق وهذا مخصص من وجهين الأول أنه إن بقي منه عمل صالح صار ذلك سببا للدعاء والدعاء له عند الله تعالى أثر الثاني ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات

أما الأول فاعلموا أني كنت رجلا محبا للعلم فكنت أكتب من كل شيء شيئا لأقفَ على كميته وكيفيته سواء كان حقا أو باطلا إلا أن الذي نطق به في الكتب المعتبرة أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبره المنزه عن مماثلة التحيزات موصوفٌ بكمال القدرة والعلم والرحمة ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفية فلهذا أقول كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء كما في القدم والأزلية والتدبير والفعالية فذلك هو الذي أقول به وألقى الله به وأما ما ينتهي الأمر فيه إلى الدقة والغموض وكل ما ورد في القرآن والصحاح المتعين للمعنى الواحد فهو كما قال والذي لم يكن كذلك أقول يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فكل ما مده قلمي أو خطر ببالي فأستشهد وأقول إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حقٍّ فافعل بي ما أنا أهله وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقديس اعتقدت أنه الحق وتصوَّرت أنه الصدق فلتكُن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل وأنت أكرم من أن تضايق الضعيفَ الواقع في زلة فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينقص ملكُه بخطأ المجرمين وأقول ديني متابعة الرسول محمد وكتابي القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما اللهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات أنا كنت حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت أنا عند ظن عبدي بي وأنت قلت ‏{‏أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ‏}‏ فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت وبعد الموت وعند الموت وسهِّل علي سكرات الموت فإنك أرحم الراحمين

وأما الكتب التي صنفتها واستكثرت فيها من إيراد السؤالات فليذكُرني من نظر فيها بصالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام وإلا فليحذف القول السيء فإني ما أردت إلا تكثير البحث وشحذ الخاطر والاعتماد في الكل على الله

الثاني وهو إصلاح أمر الأطفال فالاعتماد فيه على الله

ثم إنه سرد وصيته في ذلك إلى أن قال وأمرت تلامذتي ومن لي عليه حقٌّ إذا أنا مت يبالغون في إخفاء موتي ويدفنوني على شرط الشرع فإذا دفنوني قرأوا علي ما قدروا عليه من القرآن ثم يقولون يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه

هذا آخر الوصية

وقال الإمام في تفسيره وأظنه في سورة يوسف عليه السلام والذي جربته من طول عمري أن الإنسان كلما عوَّل في أمر من الأمور على غير الله صار ذلك سببا للبلاء والمحنة والشدة والرَزية وإذا عوَّل على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين فعند هذا أسفر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله وإحسانه انتهى

قلت وما ذكره حقٌّ ومن حاسب نفسه وجد الأمر كذلك وإن فُرِض أحد عوَّل في أمر على غيرِ الله وحصل له فاعلم أنه لا يخلو عن أحد رجلين إما رجل ممكور به والعياذ بالله وإما رجل يطلب شرا وهو يحسب أنه خير لنفسه ويظهر له ذلك بعاقبة ذلك الأمر فما أسرع انقلابه في الدنيا قبل الآخرة إلى أسوأ الأحوال ومن شاء اعتبار ذلك فليحاسب نفسه

واعلم أن هذه الجملة من كلام الإمام دالة على مراقبته طول وقته ومحاسبته لنفسه رضي الله عنه وقبح من يسبه أو يذكره بسوء حسدا وبغيا من عند نفسه

توفي الإمام رحمه الله بهراة في يوم الاثنين يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة

ومن الفوائد عنه

إذا باع صاعا من صبرة مجهولة الصيعان وجوَّزناه أو معلومة وقلنا إنه لا ينزل على الإشاعة فالخيرة في الجانب الذي يوجد منه الصاع الذي وقع عليه العقد إلى البائع

قال ابن الرِفعة في المطلب في الجراح في الكلام على ما إذا كان رأس الشاج أكبر وفي المنتخب المعزى لابن الخطيب أنها للمشتري وقد نوقش فيه انتهى

قلت وقد أجاد في قوله المعزى لابن الخطيب لأن كثيرا من الناس ذكروا أنه لبعض تلامذة الإمام لا للإمام

اختار الإمام في التفسير في سورة الإسراء أن الجمادات وغير المكلف من البهائم أنها تسبح الله بلسان الحال ولا تسبح له بلسان المقال واحتج بما لم ينهض عندنا

وفصل قوم فقالوا كل حي ونام يسبح دون ما عداه وعليه قول عكرِمة الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح

وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما يأكلان طعاما وقد قدم الخوان أيسبح هذا الخوان أبا سعيد فقال قد كان يسبح ثمره يريد أن الشجرة في زمن ثمرِها واعتدالها ذات تسبيح وأما الآن فقد صار خوانا مدهونا

ويستدل لهذا بما ثبت من حديث ابن عباس أن النبي مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وفيه أنه دعا بعسيب رطب وشقه باثنين وغرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله يخفَّفُ عنهما ما لم ييبسا فإن فيه إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان وإذا يبسا صارا جمادا

وذهب قوم إلى أن كل شيء من جماد وغيره يسبح بلسان المقال وهذا هو الأرجح عندنا لأنه لا استحالة فيه ويدل له كثير من النقول قال تعالى ‏{‏إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ‏}‏ وقال تعالى ‏{‏وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا‏}‏ وقال كما روى ابن ماجة لا يسمع صوت المؤَذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة وفي صحيح البخاري أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل عند النبي وفي صحيح مسلم أن رسول الله قال إني لأعرِفُ حجرا بمكَّة كان يسلم علي قبل أن أبعث وخبر الجذع في هذا الباب مشهور وروى ابن المبارك في رقائقه أن ابن مسعود قال إن الجبل ليقول للجبل هل مر بك اليوم ذاكر لله فإن قال نعم سر به إلى غير ذلك من أخبار وآيات تشهد لمن يحمل قوله تعالى ‏{‏وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ‏}‏ على عمومه غير أنا نقول لا نسلم من تسبيحها بلسان المقال أنا نسمعها وإنما يكون ذلك على سبيل المعجزة كما كانوا يسمعون تسبيح الطعام عند المصطفى أو على وجه الكرامة

ذهب الإمام إلى أنه إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق لا يقع الطلاق على واحدة منهما لأن الطلاق تعيين فيستدعى محلا معينا

حكى الإمام في المناقب أن الحسين الفراء مال إلى مذهب أبي حنيفة في مسح الرأس في الوضوء فأوجب الربع وتعجب الإمام من البغوي في ذلك

قلت وهذا أخذه من كلامه في التهذيب فإن فيه بعد ما حكى مذهب الشافعي وأبي حنيفة وجب أن لا يسقط الفرض عنه إذا مسح أقل من الناصية لأن ظاهر القرآن يوجب التعميم والسنة خصته بقدرِ الناصية انتهى وليس صريحا في مذهب أبي حنيفة بل في التقدير بقدر الناصية أما تقدير الناصية بالربع فذاك قول الحنفية فإن صح أنه يوافقهم على تقديرها بالربع فقد صحَ نقل الإمام وإلا فرأي البغوي خارج عن المذاهب الأربعة

ومن شعر الإمام

نهاية إقدام العقول عقال ** وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في غَفلة من جسومنا ** وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفِد من بحثنا طول عمرِنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وكم من جبال قد علت شرفُاتها ** رِجال فزالوا والجبال جبال

وكم قد رأينا من رجال ودولة ** فبادوا جميعا مزعجين وزالوا

1090 محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه بن محمد

شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن ابن شيخ الشيوخ عماد الدين الجوَيني الصوفي

ولد بجوَين وتفقه على أبي طالب الأصبهاني صاحب التعليقة المشهورة وقدم الشام مع والده وتفقه على القطب النيسابوري وسمع من أبيه ويحيى الثقفي

وولي المناصب الكبار وتخرج به جماعة ودرس وأفتى

وزوَّجه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الإخوة الأربعة الأمراء الصدور عمر ويوسف وأحمد وحسن

وعظُم جاهه في الدولة الكاملية ودرس بقبة الشافعي ومشهد الحسين وغير ذلك

وسيره الكامل رسولا إلى الخليفة يستنجده على الفِرنج في نوبة دمياط فمرِض بالموصل ومات سنة سبع عشرة وستمائة

1091 محمد بن عيسى بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن أحمد ابن أبي عبد الله القرشي العبدري أبو عيسى المروَروذي

من أهل بنج ديه من أعمال مروَالروذ

فقيه فاضل من بيت الفضل والتقدم

مولده سنة سبع وستين وخمسمائة ببنج ديه

قال ابن النجار بلغني أن بعض غِلمانه الهنود اغتاله فقتله وقتل ولده معه وكان من أجمل الشباب وأظرفِهم ولم يعين تاريخ وفاته

1092 محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الشيخ بدر الدين

شارح ألفية والده الشيخ جمال الدين

نحوي خبير بالمعاني والبيان والمنطق ذكي

توفي كهلا في المحرم سنة ست وثمانين وستمائة

1093 محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن

الحافظ الكبير الثقة محب الدين أبو عبد الله ابن النجار البغدادي

مصنف تاريخ بغداد الذي ذيل به على تاريخ الخطيب فجاء في ثلاثين مجلدا دالاًّ على سعة حفظه وعلوِّ شأنه وله مصنف حافِل في مناقب الشافعي رضي الله عنه وتصانيفُ أخر كثيرة في السنن والأحكام وغيرها

ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وسمع من عبد المنعم بن كُليب ويحيى بن بوش وذاكر بن كامل وأبي الفرج بن الجوزي وأصحاب ابن الحصين والقاضي أبي بكر فأكثر

وأول سماعه وله عشر سنين وأول عنايته بالطلب وله خمس عشرة سنة

وله الرِحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان ومرو وهراة ونيسابور

لقي أبا روْح الهروي وعين الشمس الثقفية وزينب الشعرية والمؤيد الطوسي والحافظ أبا الحسن علي بن المفضل وأبا اليمن الكندي وأبا القاسم ابن الحرستاني فمن بعدهم

قال ابن الساعي كانت رحلته سبعا وعشرين سنة واشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ

روى عنه الجمال محمد بن الصابوني والخطيب عز الدين الفاروثي وعلي بن أحمد الغرافي والقاضي تقي الدين سليمان وخلق

وأجاز لأحمد بن أبي طالب بن الشحنة راوي الطحاوي شيخنا بالإجازة

توفي ببغداد في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة

1094 محمد بن محمود بن عبد الله الجويني

قاضي البصرة أبو عبد الله

تفقه بالنظامية ببغداد

وتولَى قضاء البصرة وبها مات سنة خمس وستمائة